الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر ترحب دائما بتعدد الآراء واختلافها ما دامت تراعى حريات الآخرين

الرئيس يطلق الاستراتيجية الــــــــــــــوطنية الأولى لحقوق الإنسان

أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى الاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان بحضور الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء وعدد من الوزراء والمسئولين وممثلى منظمات المجتمع المدنى وعدد من السفراء الأجانب.



ورحب الرئيس فى كلمته بمناسبة إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بالمشاركين فيها سواء مساهمين فى إعداد تلك الاستراتيجية أو من المصريين والضيوف الأجانب الذين يشاركوننا تلك اللحظة المضيئة فى تاريخ مصر المعاصر والتى أعتبرها خطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان فى مصر أخذًا فى الاعتبار ما يحظى به هذا المجال الحيوى من أهمية فى تقييم رقى المجتمعات وتقدمها.

جاء ذلك فى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال  فعاليات إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2022) أمس والتى جاءت على النحو التالى: 

 

أود فى هذا السياق أن أشير إلى أن مصر كانت من أولى الدول التى ساهمت فى صياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨ حيث لم تتوقف مساهمتها فى هذا المجال عند هذا التاريخ بل استمرت وإلى الآن بإيمان عميق واقتناع وطنى ذاتى بأهمية اعتماد مقاربة شاملة وجدية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وها نحن اليوم حيث تطلق الحكومة المصرية استراتيجيتها الوطنية الأولى لحقوق الإنسان والتى تعد نتاجًا لجهود حثيثة بذلتها اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان على مدار أكثر من عام، وأود أن أثمن المنهجية التى تم بها إعداد تلك الاستراتيجية والتى قامت على نحو تشاركى وتشاورى موسع يستجيب لطموحات وآمال الشعب المصرى.

كما أتوجه بالشكر إلى المجلس القومى لحقوق الإنسان وممثلى المجتمع المدنى من مختلف المحافظات وأعضاء الهيئة الاستشارية على مساهمتهم البناءة فى بلورة تلك الاستراتيجية.

السيدات والسادة،

إن الرؤية المصرية لحقوق الإنسان تستند على عدد من المبادئ الأساسية، أبرزها: أن كل الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، وأن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع أهمية تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين حق الفرد والمجتمع وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بالحقوق والحريات.

كما أن الالتزام بصون الحقوق والحريات وتعزيز احترامها يتحقق من خلال التشريعات والسياسات العامة من جانب، ومن خلال ما تقوم به مختلف المؤسسات والآليات الوطنية من إنفاذ لتلك التشريعات والسياسات من جانب آخر، وهى الجوانب التى اهتمت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بمراعاتها جميعًا، فعلى صعيد التشريعات والسياسات العامة تستند جهود الدولة إلى المبادئ والالتزامات الدستورية والقانونية، ولقد حقق الدستور نقلة نوعية كبيرة فى هذا الخصوص، إذ رسخ مبادئ المواطنة والعدالة والمساواة فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز وجعل تكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع.

كما يكفل الدستور استقلال السلطة القضائية باعتبارها وسيلة الإنصاف الأساسية التى تضمن الإنفاذ الفعلى لكافة الحقوق وتزخر البنية التشريعية المصرية بالعديد من الضمانات اللازمة لتعزيز واحترام حقوق الإنسان «فالجميع أمام القانون سواء». كما تؤكد الدولة المصرية التزامها باحترام وحماية الحق فى السلامة الجسدية والحرية الشخصية والممارسة السياسية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات الأهلية، والحق فى التقاضى فمصر ترحب دومًا بتعدد الآراء، بل واختلافها ما دامت تراعى حريات الآخرين، وتهدف من خلال نقد بناء وتشاركى إلى تحقيق ما هو أفضل لصالح مصر وشعبها.

ولطالما تبنت مصر وما تزال حرية الفكر والإبداع والتعبير، مما أثمر عن مساهمة مصرية رائدة فى محيطها الإقليمى «فنًا وأدبًا وثقافة»، بل أضحى هذا المجال يحظى بدعم مباشر من قيادة الدولة لتشجيع الكوادر العاملة به.

كما يتوافر لدينا على التوازى اقتناع راسخ بأهمية تعزيز جهود تحقيق العدالة الناجزة وكذا ضمانات المحاكمات العادلة وتبذل الدولة جهودًا حثيثة ومستمرة للتأكيد على قيم المواطنة والتسامح والحوار ومكافحة التحريض على العنف والتمييز.

كما تمتلك مصر بنية مؤسسية وطنية ثرية تعمل على تعزيز احترام وحماية حقوق الإنسان، وتخضع للتطوير المستمر، ولقد جاء إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان كإضافة مهمة من شأنها دعم وتعزيز العمل الوطنى المنسق فى هذا المجال، وإلى جانبها توجد وحدات وإدارات مختصة بحقوق الإنسان فى كافة الوزارات والمحافظات والجهات ذات صلة، وتضطلع المجالس القومية للمرأة وللطفولة والأمومة وللأشخاص ذوى القدرات الخاصة وأصحاب الهمم بأدوار رائدة فى مجال تعزيز حقوق تلك الفئات.

كما أن المجلس القومى لحقوق الإنسان باعتباره المؤسسة الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان وفقًا لصلاحياته فى إطار الدستور يقوم بدور محورى وفاعل فى مجال ترسيخ المبادئ ذات الصلة ونشر الوعى بها، ويقدم تقاريره السنوية للدولة.

ويأتى المجتمع المدنى كشريك أساسى مهم فى عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان بكافة أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونشر الوعى بحقوق الإنسان فى المجتمع، وتشجيع ثقافة العمل التطوعى والإسهام فى جهود مكافحة التطرف والتوجهات المناهضة لقيم مجتمعنا المصرى.

ومما لا شك أن إسهامات وإنجازات المجتمع المدنى واضحة وشراكته مع الدولة لا غنى عنها.

ومن هنا كان توجيهى للحكومة بإعادة النظر فى قانون الجمعيات الأهلية السابق وهو ما أثمر عن إصدار قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى الجديد بما يتضمنه من تيسيرات وضمانات تعزز العمل الأهلى بعد حوار مجتمعى ضم ألفًا وثلاثمائة منظمة غير حكومية مصرية وأجنبية، ومع إصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون تبدأ مرحلة جديدة من الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدنى تقوم على أسس من التعاون واحترام القانون.

وعلى صعيد الحقوق المدنية والسياسية فإننا نولى اهتمامًا خاصًا لتعزيز الحق فى المشاركة فى الحياة السياسية والعامة باعتبار ذلك مكونًا مهمًا للنهوض بجميع مجالات حقوق الإنسان ويسهم فى ترسيخ دعائم الديمقراطية وسيادة القانون، ولتعزيز هذه الحقوق تم وضع وتحديث العديد من التشريعات الوطنية، وإنشاء عدد من الهيئات والكيانات المستقلة لتنظيم ممارسة هذه الحقوق وضمان التمتع بها.

ولقد شهدت الحياة السياسية والعامة فى مصر نشاطًا مكثفًا خلال الفترة الماضية تكلل بإنجاز كافة الاستحقاقات الدستورية التى كفلت تعبير الشعب عن إرادته الحرة من خلال انتخابات رئاسية ونيابية واضطلع ممثلو الشعب بمسئولياتهم فى التعبير الحر عن رؤيتهم لإنجاز المسيرة الوطنية، وتقييم أداء السلطة التنفيذية من خلال دورة برلمانية حافلة بالتفاعلات والانتماءات السياسية سعيًا نحو تحقيق الصالح العام.

كما تم استكمال مؤسساتنا التشريعية باستحداث مجلس الشيوخ، وإجراء انتخاباته لكى يقوم بدوره جنبًا إلى جنب مع مجلس النواب وتم إنشاء الهيئة الوطنية للانتخابات ككيان مستقل ودائم يختص دون غيرة بإدارة الانتخابات والاستفتاءات فى كافة مراحلها بما يضمن نزاهتها ويشجع على المشاركة السياسية.

كما تم أيضًا وضع وتحديث العديد من التشريعات التى تضمن للمواطن المصرى ممارسة حقوقه السياسية ومن بينها قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الأحزاب السياسية وقانون مجلس النواب وقانون مجلس الشيوخ وقانون الانتخابات الرئاسية وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية وقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي، وقد مثلت هذه القوانين نقلة مهمة ونوعية نحو تكريس وضمان ممارسة الحقوق والحريات السياسية.

أما على مستوى حرية الدين والمعتقد فمصر الدولة ذات التراث الدينى الثرى مستمرة فى بذل جهودها الحثيثة للتأكيد على قيم المواطنة والتسامح والحوار ومكافحة التحريض على العنف والتمييز، ولقد حققت الدولة المصرية تقدمًا مشهودًا لها فى هذا المجال ضمانًا للمساواة بين أبناء الوطن الواحد فى الحقوق والواجبات، وليس أدل على ذلك من إصدار قانون بناء وترميم الكنائس الذى تم بموجبه تقنين أوضاع نحو ألف وثمانمائة كنيسة ومبنى تابع لها، كما يتناغم وقوف كل من مسجد «الفتاح العليم» جنبًا إلى جنب مع كاتدرائية «ميلاد المسيح» بالعاصمة الإدارية الجديدة كشاهدين على تلك الجهود والإنجازات.

وفيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ترتكز الرؤية التنموية المتكاملة للدولة «مصر ٢٠٣٠» على مفاهيم النمو الشامل والمستدام والمتوازن، بما يتيح التوزيع العادل لفوائد التنمية، وتحقق أعلى درجات الاندماج المجتمعى لكافة الفئات وضمان حقوق الأجيال الحالية والقادمة فى استخدام الموارد.

ويعكس حجم الإنجازات التى حققناها خلال السنوات السبع الماضية من خلال المشروعات القومية الكبرى فى كل ربوع مصر القدرات الوطنية سواء على مستوى التخطيط أو التنفيذ، فضلًا عن حسن توجيه وإدارة الموارد المتنوعة للوصول إلى أعلى مستويات التنمية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على مستوى إنفاذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خاصةً فيما يتعلق بالحق فى السكن الملائم، وفى الرعاية الصحية المناسبة، وفى العمل المنتظم، وفى الغذاء الصحى، وفى مياه الشرب النقية والصرف الصحى المتطور، وفى التعليم الجيد.

واستطاعت مصر خلال السنوات الماضية أن تخطو خطوات كبرى نحو تحقيق المساواة وتمكين المرأة، حيث حصلت على ١٢٨ مقعدًا من مقاعد مجلس النواب فى انتخابات عام ٢٠٢١ بنسبة تجاوزت ٢٨٪، بل أضحت المرأة المصرية قاضية ووزيرة بمجموع ثمانى وزيرات فى الحكومة الحالية بنسبة تقترب من «٢٥٪» فضلًا عن مساواة المرأة بالرجل فى الأجر دون تمييز على أساس النوع.

ومضت الدولة المصرية فى وضع استراتيجية ٢٠٣٠ الخاصة بتمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ولم يقف اهتمام الحكومة المصرية عند هذا الحد، بل أولى العناية الواجبة لتعزيز حقوق الطفل والأشخاص ذوى القدرات الخاصة وأصحاب الهمم فلدينا إرادة سياسية قوية داعمة لقضايا تلك الفئات الأولى بالرعاية ولا ندخر جهدًا فى سبيل تحقيق آمالهم وطموحاتهم، وهو ما تجلى أثره فى ترجمة الحقوق الدستورية المكفولة لهم إلى قوانين واستراتيجيات وسياسات وبرامج تنفيذية عديدة.

أما الشباب فلقد حرصت الدولة على رعايتهم وتنمية قدراتهم وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة وتوفير فرص العمل لهم وانطلاقًا من أهمية انفتاحهم على الآخر، والتعرف على الثقافات المتعددة، فلقد حرصنا على توفير المحافل المناسبة لذلك، ويأتى فى القلب منها «منتدى شباب العالم» الذى تحرص مصر على تنظيمه بشكل سنوى ونأمل فى استئنافه قريبًا عقب انقضاء جائحة «كورونا» وما تفرضه من إجراءات احترازية.

كما اهتمت الدولة أيضًا بإعداد الكوادر الشابة القادرة على المساهمة فى تحمل المسئوليات الوطنية فجاء إنشاء «الأكاديمية الوطنية لتدريب الشباب» عام ٢٠١٧، حيث أصبح الشباب يشاركون فى صياغة خطط التنمية وتنفيذها، بل أضحى بعضهم نوابًا للوزراء والمحافظين وممثلين للشعب بالبرلمان، وذلك من خلال ما تتخذه الأكاديمية من برامج تأهيلية لصقل مهاراتهم وإعدادهم.

السيدات والسادة، يهمنى أن أؤكد مجددًا أن تلك الاستراتيجية الوطنية الأولى نابعة من فلسفة مصرية ذاتية تؤمن بأهمية تحقيق التكامل فى عملية الارتقاء بالمجتمع، والتى لا يمكن أن تكتمل دون استراتيجية وطنية واضحة لحقوق الإنسان تعنى بالتحديات والتعاطى معها مثلما تراعى مبادئ وقيم المجتمع المصري، ومن ثم فقد اهتمت بمختلف محاور حقوق الإنسان من منظور متكامل ومفهوم شامل لتلك الحقوق، وإيمانًا بأن العبرة تكمن دومًا فى التنفيذ، فإننى أوجه اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بمواصلة تنفيذ التكليفات الموكلة لها، كما أكلف الحكومة باتخاذ جميع الخطوات التى من شأنها تعزيز ذلك، وعلى رأسها ما يلى:

مواصلة جهود دمج أهداف ومبادئ حقوق الإنسان فى السياسات العامة للدولة، وفى إطار تنفيذ «استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر ٢٠٣٠».

دعوة الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى للاهتمام بإثراء التجربة السياسية المصرية، وبناء الكوادر المدربة من خلال توسيع دائرة المشاركة والتعبير عن الرأى فى مناخ من التفاعل الخلاق والحوار الموضوعى.

ضمان التوزيع العادل لثمار التنمية وحق كل شخص فى التمتع بمستوى معيشى ملائم له ولأسرته، بما يوفر لهم ما يفى باحتياجاتهم الأساسية.

تعزيز التواصل مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني، وتقديم كل التسهيلات للتنفيذ الفعال لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى ولائحته التنفيذية، لإتاحة المناخ الملائم لهم للعمل كشريك أساسى لتحقيق التنمية ونشر ثقافة حقوق الإنسان فى المجتمع.

الحرص لدى تنفيذ الرؤية المتكاملة للإصلاح الإدارى على بناء جهاز إدارى كفء وفعال يتبع آليات الحكم الرشيد ويخضع للمساءلة وينال استحسان المواطنين لمستوى الخدمات المقدمة لهم ويتسم بالكفاءة والعدالة وعدم التمييز.

تطوير منظومة تلقى ومتابعة الشكاوى فى مجال حقوق الإنسان للاستجابة السريعة والفعالة لأية شكاوى والتواصل الفعال مع جهات الاختصاص بشأنها.

تكثيف الجهود الوطنية لبناء القدرات والتدريب فى مجال حقوق الإنسان.

ويطيب لى قبل أن أختتم خطابى إليكم أن أعلن عام ٢٠٢٢ «عامًا للمجتمع المدني»، والذى أدعوه إلى مواصلة العمل بجد واجتهاد جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة المصرية، لتحقيق التنمية المستدامة فى كافة المجالات، ونشر الوعى بثقافة حقوق الإنسان، مساهمة فى تحقيق آمال وطموحات الشعب المصرى العظيم.