اشرف ابو الريش
سياحة الطيور المهاجرة
يجذب انتباهى فى هذا التوقيت من كل عام تلك الأسراب الكبيرة التى تغطى سماء مصر من الطيور المهاجرة قادمة من برد وصقيع أوروبا هربًا إلى منطقة الخليج العربى والشرق الأوسط وتحديدًا إلى بلدنا الآمن المستقر لتنعم بالدفء والغذاء والراحة من عناء سفر طويل يبلغ آلاف الكيلو مترات.. الطيور تسلك مسارين، الأول عن طريق خليج السويس مرورًا بأسفل وادى النيل، أما المسار الثانى فهو الساحل الشرقى للبحر الأحمر، السعودية واليمن وصولا إلى باب المندب، وتستكمل الطيور مسارها إلى شرق إفريقيا.
شاهدت تقريرًا مصورًا واطلعت على عدد من التقارير الإخبارية بعد رؤيتى لأعداد كبيرة من الطيور المهاجرة مستقرة على ضفتى نهر النيل فرع رشيد فى منطقة قريبة من الخطاطبة تتبع محافظة المنوفية وعدد من المناطق الأخرى فى الشرقية والفيوم.. أعرف تلك الأسراب من سنوات طويلة وما أن تأتى فرصة نمارس بعض الهوايات القديمة ومنها صيد «البط البرى» وترك الأنواع الأخرى خوفًا من الصيد الجائر لبعض الطيور النادرة.
الطيور المهاجرة تقضى فصل الشتاء فى مصر وتمر من عدة طرق لتدخل إلى بعض المحافظات المصرية فى المنوفية والشرقية والفيوم كما ذكرت وتستقر فى بعض المحميات الطبيعية بشمال وجنوب سيناء وبطول وادى النيل، فى الجنوب بأسوان وبحيرة ناصر، وبعض الطيور يمكن رؤيتها بأعداد كبيرة مثل اللقلق الأبيض، البجع، حوام السهول، حوام العسل، كما يمكن رؤية الطيور المهددة بخطر الانقراض مثل طائر «الرخمة» وبعض الصقور وأعداد أخرى أصبحت فى حكم النادرة نتيجة الصيد الجائر دون اعتبارات لتقارير المنظمات المعنية بالحفاظ على الطيور المهاجرة والتنوع البيولوجى.
لأول مرة أسمع وأشاهد تقارير عالمية مصورة عن «سياحة مراقبة الطيور المهاجرة» وأن هذا اللون من السياحة جاذبة للكثيرين فى الغرب تحديدًا وأنها فى صعود مستمر، ومحبوها يتزايدون عامًا بعد عام على مستوى العالم، لما تحققه من متعة التنقل بين مناطق ذات طبيعة خلابة ومناظر جميلة وما أكثر الأماكن الطبيعية والجميلة فى بلادنا.. هذا النوع الجديد من السياحة من الممكن أن نستفيد منه فى مصر من خلال المحميات الطبيعة المنتشرة بطول البلاد وعرضها ويتم تجهيز أماكن لاستقبال السياح لمشاهدة أنواع من الطيور لا مثيل لها فى العالم وتأتى كل عام فى مناطق متعددة فى المحافظات المصرية دون استغلال لهذه الظاهرة التى نتمتع بها دون بلدان كثيرة فى المنطقة.
بعض المنصات الإعلامية والقنوات والمصورين وحتى مراكز الأبحاث تنفق الملايين لرصد حركات وهجرات الطيور فى محطاتها المختلفة بالعالم ونحن نتوسط القارات الثلاث وأصحاب موقع فريد متميز صيفًا وشتاءً فلماذا لا تسلط الضوء على هذه الظاهرة؟.
هناك إحصائية صادرة من الولايات المتحدة الأمريكية، تؤكد أن سياحة الطيور المهاجرة حققت ملايين من الدولارات وأن ٢٠٪ من الشعب الأمريكى يمارس هذه السياحة، وهناك دولة قريبة داخل منطقتنا حققت فى عام واحد ما يقرب من 104 ملايين دولار أمريكى، من هذه الظاهرة وهو دخل يتزايد مع مرور الوقت، خبراء فى المجال السياحى يؤكدون أن تنظيم برامج سياحية مراقبة للطيور يحقق مكاسب هائلة، وهذا ما دفع 127 شركة دولية لتنظيم رحلات على مستوى العالم بإمكانيات بالغة التطور والتكنولوجيا، وتوفير المتطلبات للاستمتاع بهذه السياحة، من خلال الاهتمام بالمحميات الطبيعية وأبراج المراقبة والخنادق المجهزة التى تسمح بمراقبة الطيور وتصويرها دون إزعاج ، وبمراكز الزوار الشاملة من خلال المطبوعات والخرائط والكتيبات التى تحتوى على كامل المعلومات الخاصة بطيور الموقع مع تقديم الخدمات الأساسية الداعمة لهذا النشاط من دورات مياه ومطاعم وغيرها من المقومات الاقتصادية لهذا النشاط السياحى.
الفكرة المطروحة فى هذا المقال من الممكن أن تكون غريبة بعض الشىء ولكنها قابلة للتنفيذ وعلينا الاستفادة الكاملة من كل النعم السياحية التى نتمتع بها خاصة مع هذا النجاح المبهر لعملية تسليط الضوء على الآثار المصرية والمشهد العظيم الذى تم فى الاحتفالات «بطريق الكباش» ومتحف المومياوات وغيرها من التجهيزات الأخرى لإعادة اكتشاف مصر مرة أخرى فى الجمهورية الجديدة.
أعتقد أن تنظيم احتفاليات جديدة ستخضع للعديد من الاعتبارات ويجب أن تقام تحت إشراف رئاسى كامل وبالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار والوزارات المعنية.. وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح ويجب أن نفكر بعمق حتى نصبح الدولة الأولى فى المنطقة والعالم لجذب السياحة بكل ألوانها وعندنا جميع الإمكانيات المؤهلة لذلك.
تحيا مصر..