الثلاثاء 28 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رحل الفاعل «حمدى أبو جليل» مخلفاً قصته فى شوارع القاهرة وحكاياتها

أن تتغزل فى شوارع وحكايات المدينة التى نزحت إليها من بلدتك الصغيرة هو عشق للمكان والأثر وما يحمله من عطر للتاريخ يستحق البحث وراء أسرار وحكايات كل شارعٍ وزقاقٍ وحارة وتحديد الفرق بين طراز ومعمار الشوارع العربية القديمة والشوارع الأوروبية الحديثة ليس بالأمر الهين أن تذوب فى تفاصيل المكان إلى هذا الحد وأن تترك فيه بصمتك بعد الرحيل كما فعل حمدى أبو جليل الذى غيبه الموت عن عالمنا أمس الأول عن عمر ناهز الـ57.



 

حمدى أبو جليل من أصول بدوية  ولد فى مدينة الفيوم وعمل أبو جليل فى بداية حياته كعامل بناء عندما هاجر إلى القاهرة فى بداية الثمانينات وهو ما أثرى أعماله الأدبية فيما بعد إذ قد قدم تجربة أدبية مميزة  فى رواية «الفاعل» التى فازت بجائزة نجيب محفوظ وترجمها إلى الإنجليزية روبن موجر بعنوان «كلب بلا ذيل».

كان كتابه الأول عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة التى نشرت فى عام 1997 تحت عنوان «أسراب النمل»،  ومجموعته الثانية «أشياء مطوية بعناية فائقة» والتى صدرت فى عام 2000 وفازت بالعديد من الجوائز الأدبية أما «لصوص متقاعدون» فهى روايته الأولى صدرت عام 2002 وترجمت للانجليزية والفرنسية والإسبانية،  وقد برع أبو جليل فى التعبير عن عالم جاءت معطياته من أحداث وعلاقات وشخوص انتموا إلى عالم الهدم والترميم والرمل والطوب وربطه بعالم روائى لذا جاءت أحداث رواياته مزيج من واقعية أرضية وخيال ملامس لحياة البسطاء حقيقى غير مبالغ فيه. 

وهو ما أكد عليه جليل فى حاور له إذ قال أن الأزمات الحقيقية تصنع الكاتب،  وأن المعاناة تجعله أقرب للكتابة الروائية،  وأضاف: أصنف نفسى بأننى كاتب «شبه عدمى» ولكنى شعرت بمسئولية كبيرة أننى لابد أن أطوع تراث اللغة البدوية العظيم ما يمكن استخدامه فى الرواية،  وحتى فى استخدامى للشعر البدوى أحاول أن أضعه بشكل لا يؤثر على الفهم العام للسياق بأكمله.

أما عن كتابه الأروع «القاهرة شوارع وحكايات» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب عام 2008.  قسم  أبو جليل شوارع المحروسة إلى أربعة أقسام،  توزّعت عليها شوارع ومناطق القاهرة الأساسية،  بين القاهرة العربية فى فصلين (الفاطمية والخديوية) ومصر القديمة التى خصها بفصل بمفرده،  ثم فصل أخير عن شوارع حديثة بعنوان جزر وامتدادات،  ولعل أكثر ما يميّز كتاب أبوجليل هو توسعه فى الحديث عن شوارع القاهرة حتى وصل بنا إلى العصر الحديث،  فهو من جهةٍ يعد جولة ثقافية جغرافية تجمع بين تواريخ إنشاء الشوارع وما ارتبط به كل مكان من حكايات،  ومن جهةٍ أخرى يعود إلى كتب ودوريات حديثة نسبيًا تتناول عددًا من الشوارع والمناطق المصرية الجديدة.

شارع جامعة الدول العربية يبدأ على بُعد خطوات من الضفة الغربية لنهر النيل،  بميدان أنيق وواسع يتوسطه تمثال حديث للروائى العالمى نجيب محفوظـ وينتهى وسط ميدانٍ آخر يفضى إلى شارع السودان وحى بولاق الدكرور،  وأهم ما يميزه فضلاً عن طول واتساع وفخامة عمارته الحديثة أنه يحافظ على مدلول اسمه،  إنه شارع “الجامعة العربية” بامتياز،  سواء على مستوى نوعية سكانه ورواده أو على مستوى أسماء الشوارع والمحال المحيطة به،  فنظرًا لازدحامه بمئات المحلات التجارية والكافتيريات والمطاعم ذات الشهرة العالمية،  ونظرًا لرقى وهدوء منطقة المهندسين التى يتوسطها،  والتى يسكنها عدد من نجوم المجتمع المصرى والعربي،  أصبح الشارع على رأس الأماكن المفضلة للأشقاء العرب،  سواء من الجاليات المقيمة فى القاهرة أو من يأتون إليها كسياح فى شهور الصيف. وعن باقى مؤلفات أبو جليل فقد صدر له مجموعة «طى الخيام « عن دار ميريت 2010،  «الايام العظيمة البلهاء» طرف من خبر الدناصورى 2017، »نحن ضحايا عك» وهى رواية أخرى فى التاريخ الإسلامى صدرت عن  دار بتانة 2017،  «أيام وانهيار الصاد شين «  عن دار ميريت 2018.

وعمل أبو جليل كمدير تحرير سلسلة الدراسات الشعبية المختصة بنشر الفولكلور ودراساته تحت إشراف وزارة الثقافة المصرية وكتب بجريدة السفير اللبنانية كما عمل مع الروائى إبراهيم اصلان فى سلسلة آفاق الكتابة العربية وظل مديرا لتحريرها حتى أغلقت بعد ازمة نشر رواية «وليمة لأعشاب البحر» عام 2000.