السبت 2 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تجارة لا تقبل الخسارة

تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد…



أنا سيدى الفاضل رجل فى العقد الرابع من العمر، أعيش بإحدى مدن الصعيد، وأعمل محاسبًا بشركة كبيرة، تزوجت منذ ١٢ عامًا من إنسانة راقية على خلق، اختارها قلبى وعقلى عن اقتناع، والداى ورثا تركة كبيرة من الأرض الزراعية المنتجة للخير الوفير، بالاضافة لبعض العقارات، استطاعا قبل وفاتهما بعام ونصف العام  فى حادث أليم أن يزوجانى - وكان فراقهما بمثابة نهاية لعهد النجاحات بالنسبة لى، حيث استطعت فى حياتهما الالتحاق بكلية التجارة ثم تخرجت بتقدير مرتفع، وعملت بوظيفة مناسبة، ودخلت عش الزوجية مع شريكة حياتى - ثم فجأة وسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال، بدأ عهد جديد من الصدمات بداية من صبرى الطويل على تأخر الإنجاب، دون موانع طبية معلومة، ثم تغييب القدر لأبى وأمى بفاجعة حادث وفاتهما معًا، وتركهما مسئولية تربية شقيقتى الوحيدة بالمرحلة الإعدادية، كدين فى رقبتى حتى أسلمها لزوج مخلص يصونها، واطمئن عليها فى كفالته - مما جعلنى أشعر باليتم أكثر من شقيقتى الصغيرة نفسها، رغم وجود زوجة محاربة تقف إلى جانبى، ولأن وجود الأب والأم دائمًا له بالغ الأثر فى حياة أى رجل - مهما بلغت قوته وحكمته، فهما بمثابة منحة لا تعوض،، لذا وجدت نفسى أكلف زوجتى بمهمة ثقيلة عليها، وهى احتواء شقيقتى اليتيمة والإحسان إليها - وفى نفس الوقت مقاومة معاناتها من تأخر الإنجاب ، وحقيقة الأمر لم تقصر أستاذ أحمد، بل ظلت معى على العهد طيلة ١٠ سنوات كاملة تقوم بدور الزوجة المناضلة، والحبيبة المخلصة، والأم البديلة لشقيقتى، تلك المشاعر النبيلة والرسالة العظيمة استمرت دون انقطاع أو تقصير من جانبها، حتى انجبنا طفلين توءم هدية من الله العلى القدير على صبرنا - بعدها تبدل حال زوجتى وتغيرت تصرفاتها مع شقيقتى تمامًا، أصبحت تحاسبها وتلومها على كل كبيرة وصغيرة، والفتاة تحترمها بشدة لأنها تدرك قيمتها التربوية والإنسانية فى حياتها، ثم مرت السنون وتزوجت شقيقتى، وبالطبع تكفلت بكل نفقات زواجها من عملى الخاص، حيث فضلت عدم التصرف فى ميراثنا كنوع من الاستثمار مع الوقت، وأبقيت على كل شىء دون بيع، لحين توزيع ثروتنا بالعدل بيننا - لكن نظرًا لضغوط الحياة وكما القول الشهير: «كل حى أولى بحقه»، طالبتنى شقيقتى منذ أكثر من شهر ببيع قطعة أرض من ميراثنا، لضبط إيقاع حياتها، لأن زوجها موظف بسيط لا يتقاضى الكثير من الأموال شهريًا، وهى سيدة منزل لا تعمل، كما تحتاج للإنفاق على مولودها الأول الذى يستقبل الحياة بعد أيام،، والحقيقة لا أعرف لماذا أصيبت زوجتى بهذا التكالب غير المبرر على الدنيا - رغم أنها فى رغد من العيش بسبب عائلتها وميراثها من أبيها - كذلك فإننى على درجة وظيفية مرموقة، وأتقاضى راتبًا كبيرًا، لا نحتاج لشىء يدعوها لطلب الطلاق إذا دفعت مليمًا لشقيقتى مقابل ميراثها الشرعى، بحجة تربيتنا ومساعدتنا لها حتى حصلت على بكالوريوس إحدى الكليات العملية الخاصة، التى اختارتها بمحض إرادتها، ثم تجهيزها للزواج من الإنسان الفقير إلى الله الذى اختارته - والآن كيف تريد حقها،، وأى حق هذا الذى يتم دفعه لصاحبه عدة مرات، هكذا تقول زوجتى، وتتذرع بأسباب أراها وهمية،، مما جعل نقاشنا يصل لطريق مسدود، تركت على أثره البيت والأبناء، وذهبت لأهلها الذين نصروها وأيدوا رؤيتها المشوشة،، وأنا لا أعرف ماذا أفعل، فى ظل أن شقيقتى تنتظر بيعى لقطعة الأرض، أو دفعى لها نصيبها فيها والحصول على حيازتها كاملة - فى نفس الوقت فإن زوجتى تهدد بتركى فى منتصف الطريق حتى لو على سبيل الخُلع، وأنا أحبها - والظلم ظلمات يوم القيامة، فبماذا تنصحنى!؟ 

 

عزيزى ه. ث تحية طيبة وبعد…

بعض القرارات التى نتخذها فى حياتنا لا نصنعها بمفردنا، بل أحيانا يكون لنا فيها شركاء، لهم حق الرأى والمشورة، ولو معنويًا - تحركهم تركيباتهم وتوجهاتهم وقناعاتهم الشخصية، من بين هؤلاء زوجتك التى ربت معك شقيقتك، وساعدتك فى تأسيس شخصيتها منذ طفولتها، حيث أجادت تشكيلها وجدانيًا وسلوكيًا حتى أصبحت زوجة صالحة، وأم لمولود سيرى الدنيا على خير بمشيئة الله بعد أيام، وبرغم أن شريكة حياتك لا تملك شىء فى ميراثكما، إلا أنها تظل محتفظة بحق أصيل لإبداء رأيها، بينها وبينك بحكم العشرة، وليس فرضه بالشكل الذى تتخيله، وبكل تأكيد هى تعرف حقيقة حدودها فى هذا الشأن - حتى مع تهديدها بالانفصال إذا لم تلبى رغبتها فيما تراه فى صالحكما،، ربما فقط طريقتك فى تفسير وجهة نظرك أمامها، هى ما تسببت فى وصولكما لطريق مسدود من التفاهم،، لذا أنصحك بتكرار محاولة الذهاب مرة أخرى لبيت أهلها، وشرح رؤيتك من كل جوانبها بطريقة تخلو من العصبية والإيحاء بفرض الأمر الواقع، دون سماع الرأى الآخر - حاول التواصل مع من يمتاز بالعقلانية فى النقاش من أفراد أسرتها، وأكد على أن واجبك تجاه شقيقتك عندما توفى والدكما يحتم عليك فعل كل ما بوسعك لأجلها كأب بديل، رأى المصلحة العامة فى الحفاظ على ميراثكما، والتكفل بتعليمها من دخلك الشخصى وكذلك تكاليف زواجها، والآن بعد أن أصبحت مسئولة من زوج دخله بسيط، وهى فى أمس الحاجة للمال من أجل مولودها الأول، لم تطلب المساعدة بالمجان - بل مقابل بعض حقوقها فى ميراثها ، إما ببيع قطعة أرض ورثتموها ودفع حقها فيها، أو سداد نفس القيمة من مالك الخاص والاستحواذ على القطعة لنفسك - وكلها خيارات عادلة بين الأشقاء، اجلس مع زوجتك ببيت أهلها، وأقترح تخييرها بين بيع حقها فى تجارتها مع الله طيلة سنوات لأجل شقيقتك، بقبول ترضيتها ماديًا عما قدمت من تضحيات إنسانية، مع ضمانك عدم الانتقاص أدبيًا من جهدها وسعيها فى الخير - وبين أن تعتبر ما قدمته ابتغاء مرضاة الله هى صدقة لا تنفذ قيمتها، وتجارة لا تقبل الخسارة ولا تبور، لأنها مع الله، وهى أبقى وأنفع لمن يعلم، يقول الحق سبحانه وتعالى بسورة فاطر، بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ، إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور} صدق الله العظيم، وفى تلك الآية العظيمة بيان إلهى واضح، لقيمة الإنفاق السرى والعلنى بكل أشكاله، سواء معنويًا بالمجهود أو ماديًا بالمال، وهذا ينطبق تمامًا على سعيكما المبرور، لأن ما قدمتوه من كرم وإكرام لشقيقتك، هو مأجور ووافى بأمر الغفور الشكور، الذى لا يضاهى وعده وعدًا آخر،،، وأخيرًا.. أنصحك باصطحاب هدية لرفيقة دربك وأنت ذاهب لبيتها، تقديرًا لصبرها طيلة سنوات لم تقصر فيها، ولم تطلب أى مقابل، والتمس لها العذر حتى وإن تغيرت حسابات العطاء لديها قليلًا، لأن دوام الحال من المحال - وتأكد بأن معدنها الأصيل سينفض غبار تلك الرياح العابرة من سفينتكم، لتتنسم الاستقرار من جديد بالتدريج. 

دمت سعيدًا وموفقًا دائمًا ه. ث