مقولة مبارك المهمة
عبد الله كمال
لم تحظ عبارة قالها الرئيس مبارك في الجلسة المغلقة مع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني يوم الأربعاء الماضي في روما بالاهتمام الواجب صحفياً من جانبنا.. وهي تستوجب توقفاً عميقاً.. إذ قال الرئيس: هناك دول لا تريد في مصر لا حالة طوارئ.. ولا قانونا لمكافحة الإرهاب.
لقد كان سياق حديث الرئيس يدور حول الإرهاب.. وكيف أن مصر لم تعد مهددة كما هو الحال في التسعينيات.. وإن كانت هناك خلايا نائمة يخشي خطرها.. ومن ثم تطرق الرئيس إلي خلية حزب الله التي كانت تنوي تعطيل خطوط الملاحة والتجارة الدولية عبر قناة السويس.. بالتخطيط لتفجير سفن تعبر القناة.. لولا عناية الله ويقظة الأمن.. وأضاف الرئيس: ولهذا فإن مصر لجأت إلي تمديد تدابير الطوارئ.. لكن هناك دولا لاتريد أن تري في مصر (تدابير طوارئ أو حتي قانوناً لمكافحة الإرهاب).
وهذه عبارة لا تخلو من مغزي.. تشير إلي أن رئيس الدولة يقول إن بعضاً من القوي تريد أن تكون مصر في مهب ريح الإرهاب.. لا تستند إلي أي إطار قانوني يمكن أن تواجهه به.. بحيث تصبح مرتعاً للعنف.. وساحة للفوضي.. وميداناً لعدم الاستقرار.. نهباً للتدمير.. وملاذاً لتنظيمات التطرف.. ومن ثم يتهدد البلد.. ويتعرض للأخطار.. إن لم يكن للدمار.
ومن عجب أن هذه الدول وتلك القوي تردد في أحيان كثيرة أموراً تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان.. وهي تنتقد الإجراءات الضرورية والحيوية التي تتخذها مصر لحماية أمنها.. والسؤال هو: كيف تكون هناك ديمقراطية في بلد مدمر.. وكيف يمكن أن تراعي حقوق الإنسان في بلد ليس فيه أمن؟
إن أهم حق للإنسان هو أن يعيش آمناً.. مستقراً.. أي أن يضمن حياته أولاً.. وأن يكون موقناً أنه سوف يخرج إلي الشارع ويعود إلي بيته.. إلا إذا صادف القدر الأخير.. وحين يتحقق له ذلك فإن من الواجب أن يضمن له الاستقرار الحق في المأكل والمشرب والتعليم ..لأنه لا تنمية في بلد متقلب.. ولايمكن أن تبني مدرسة في ميدان ضرب النار.. وقتها يكون علينا أن نسائل الدولة عن تطبيق معايير الحق في حرية التعبير.. والحق في إعلان الرأي.. والدفاع عنه.
لقد تمكنت مصر من أن تواجه خطر الإرهاب، بينما كان الآخرون لا يمدون يد العون، بل يحتوون ويحتضنون الإرهابيين بحجة أن تلك هي حقوق الإنسان صاحب الرأي.. إلي أن تبين لهم أن أصحاب الرأي المزعوم هم أصحاب دمار ودعاة قتل.. وبما في ذلك قتل من ساندوهم سنوات طويلة وقدموا لهم التمويل والسلاح والحماية القانونية.
ولا أعتقد أننا نريد أن نري تلك الأيام مجدداً.. الله لا يعيدها.. ولا أعتقد أن الدول الكبري التي تواجه علي مدار الساعة خطر الإرهاب راغبة في أن تري هي أيضاً أحداثاً مماثلة لما جري في 11 سبتمبر وقطار مدريد ومخطط لندن.. ومخطط تايمز سكوير.. وغير ذلك.. ولا تريد أن تعيش الإنسانية في مصر واقعاً كذلك الذي يجري علي مدار الوقت في العراق.. حيث أصبحت أخبار القتلي والضحايا روتينية لم تعد تثير الاندهاش للأسف.
لقد أردف الرئيس مبارك فيما بعد عبارة «الجلسة المغلقة» بعبارة أخري في المؤتمر الصحفي.. حين تطرق إلي القضية الفلسطينية والمماطلة التي تقوم بها إسرائيل.. وقال إن هذا ينتج إحساساً بالظلم.. وأن المماطلة سوف تجعل العالم كله مهدداً بالإرهاب وليس الشرق الأوسط والمنطقة العربية وحدها.. وهذا معني مهم آخر يستوجب وقفة خاصة.. أظنه رسالة بليغة.. وتحذيراً لا يمكن تفويته.. خاصة أن النطاق الجغرافي للتحذير لا يقتصر علي أحد.. وقد أثبتت الوقائع أن تحذيرات مبارك تتجسد يوماً تلو آخر.. والأدلة كثيرة جداً.
نريد أمناً في بلدنا.. ومن ثم فإن علينا أن نتخذ الإجراءات التي نراها من أجل توفير هذا الأمن بدون كتم حرية الرأي.. ونريد أمناً في منطقتنا وبالتالي فإن علي الظلم الذي يهدر بيئة الأمن أن ينقضي.. وإذا كان الآخرون يريدون أن يعيشوا في مأمن من مخاطر الإرهاب فإن عليهم أيضاً أن يساعدوا علي إزالة هذا الظلم الممتد بدون مزيد من المماطلة.
الموقع الالكتروني : www.abkamal.net
البريد الالكتروني : [email protected]