الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مثقفون: أمجادها ستظل خالدة إلى الأبد




تحقيق محمد خضير

وضع كُتاب ومثقفون أياديهم على ملامح وجوانب عديدة حول ذكرى نصر أكتوبر المجيدة، وتبرز هذه الملامح مشاركات وجوانب مهمة فى تاريخ هذه الملحمة التاريخية، حيث شارك منهم فى رفع راية النصر وكتب ووثق منهم رموز هذه المعركة الفريدة، وتدور جوانب أخرى فى تطلعات وأمنيات لاستعادة روح نصر أكتوبر وانعكاس هذه الروح علينا بالعمل والبناء والتنمية.
وأكدوا أن المثقفين والكُتاب مؤرخون فى شتى العصور والميادين بإبداعاتهم وتجلياتهم الأدبية والفنية المتعددة المذاق والألوان، بعد أن تتاح لهم الفرصة ويقدم لهم الدعم والرعاية التامة من الدولة ومؤسساتها المعنية، وأن دورهم جزء لا يتجزأ من ذاكرة الوطن.


«روزاليوسف» تعرفت منهم على هذه الجوانب وغيرها الكثير من أيام وذكريات تتداول عبر العصور والأرجاء، بهدف بث روح أكتوبر فى نفوس النشء والشباب، ومدى تناول كتاباتهم وأقلامهم هذه الذكريات الخالدة فى التحقيق التالى:
فى البداية أكد الأديب والروائى جمال الغيطانى، أحد المحررين العسكريين أثناء حرب أكتوبر المجيدة، أن روح الشعب المصرى الصامدة تجسدت فى لحظات تاريخية منها يوم السادس من أكتوبر «1973»، العاشر من رمضان «1393» هجرية، وثورتى «25» يناير و«30» يونيو، مشيرًا إلى أن المصريين قادرون على تخطى الصعاب والصمود والتحرك كشخص واحد فى أوقات المحن والأزمات.
وأشار إلى أن العاشر من رمضان بالنسبة لتاريخ الشعب المصرى من أعظم الأيام التى لا ينساها شعب مصر صانع أعظم الحضارات والثورات وهو يوم عودة الحق إلى أصحابه، ويوم تطهير أغلى بقعة فى مصر «سيناء» من دنسهم ونجاستهم، يوم سقوط المخطط الصهيونى.
وأوضح الغيطانى أن حرب الاستنزاف لا يجب فصلها عن انتصار حرب أكتوبر، موضحًا أن الأجواء التى عاشها أثناء حرب أكتوبر، هى نفسها التى عاشتها فى «25» يناير و«30» يونيو، من حيث الإصرار والعزيمة والإرادة والرغبة فى الانتصار، إضافة إلى مساندة القوات المسلحة.
وقال إن الجيش المصرى خير أجناد الأرض مصدر الأمن والأمان للمصريين بل للعروبة كلها، لافتًا إلى أن ذكرى أكتوبر وأمجادها ستظل خالدة إلى الأبد خاصة أنها كانت وسط أجواء الصيام، ورفض الجنود الافطار بناء على أوامر القيادة لدرجة أنهم كانوا يظلون لآخر الليل لا يتذوقون أى طعام وبرغم ذلك لم يشعروا بالجوع أو العطش.
وتحدث الغيطانى عن حصار منطقة «كبريت»، والتى أظهرت بسالة وجدية المقاتل المصرى أثناء حرب أكتوبر، وظهر ذلك فى صمودهم أمام الحصار والذى كان أطول حصار خلال الحرب، حيث استمر «134» يومًا مات خلالها الناس جوعًا، ورغم ذلك لم يسقط علم مصر عنها، كما ذكر أن أحد الجنود ظل على جبل عتاقة طوال هذه الفترة، وكان يتغذى على ورق الشجر.
وتذكر جمال الغيطانى: «وصلت مع زملائى - المُحرّرين العسكريين- يوم 7 أكتوبر، فاتجهت مباشرة إلى قيادة الفرقة الثانية وتابعت حتى يوم 24 أكتوبر، وهو يوم معركة السويس»، قائلا: «إن كل الدول العربية كانت باسلة، حيث شاركت سوريا والكويت، وقد استشهد من كتيبة الكويت 16 ضابطًا وجنديًا، وكنت أسمع فى الجنازة رسائل يبلغها المصريون إلى الشهداء الكويتيين لكى يبلغوها إلى شهدائهم فى العالم الآخر، كما كانت هناك مشاركة من السلاح الجوى العراقى».
الحلم القومى العربى
ووصف الكاتب والروائى يوسف القعيد حرب أكتوبر فى الذكرى الـ41 لانتصار أكتوبر، بأنها كانت بمثابة الصورة التذكارية الأخيرة للحلم القومى العربى؛ بسبب عدم تعاون الدول العربية مع بعضها البعض منذ 1973.
وأضاف القعيد إنه «لا يمكن لأحد إنكار الدور العظيم الذى قامت به معظم الدول العربية بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية؛ لتحقيق الانتصار فى هذه الحروب»، مشيرًا إلى أن مصر لم تخض هذه المعركة بجنود الجيش المصرى فقط، بل كان هناك مقاتلون من العراق والمغرب، وطائرات أمدتنا بها ليبيا، وكان لهذا التعاون دور كبير فى تحقيق هذا الانتصار الكبير».
وقال القعيد إن: «قرار حرب أكتوبر قد يكون القرار العسكرى الوحيد فى تاريخ مصر الذى تكتمنا عليه»، مضيفًا: «خطة الخداع الاستراتيجى نُفذت بحرفية غير عادية»، وبالتالى فلا تقل أجواؤها وصداها عن أجواء ثورتى 25 يناير و30 يونيو المجيدتين.
وتذكر القعيد قائلا: «إنه أثناء حرب أكتوبر 1973 كان مجندًا فى وحدة الخدمات الطبية وكان يعمل فى نقل جثث الشهداء من المستشفى لتوصيلهم إلى ذويهم، موضحًا أن التعرف على جثث الشهداء كان يتم من خلال السلسلة المعدنية التى يضعها الجندى فى رقبته وكان يدون بها اسمه وعنوانه وجميع البيانات الخاصة به.
وأضاف أن عدد الأعمال التى تحدثت عن حرب أكتوبر ليس بالقليل وليس فى مصر وحدها، بل وفى العالم العربى أيضًا، مشيرًا إلى أن الأدب الصادر عن أكتوبر ظل حبيسًا لسنوات وراء قضبان مؤامرة اسمها الاستغلال السياسى، ففى أيام الرئيس الراحل أنور السادات كانت قصة هذه الحرب العظيمة تصدر للناس على أنها حكاية رجل واحد يطلق عليه بطل الحرب والسلام.
وأكد القعيد، أن أجمل ما كتب عن الوقائع الحقيقية لحرب أكتوبر لم نره بعد وربما لن نره إلا بعد أن تخلو الساحة تمامًا من كل الأطراف التى شملتها الحرب، مشيرًا إلى أن رواية «الحرب والسلام» لليو تولستوى، كتبت بعد 75 عامًا من انتهاء الحرب بين فرنسا وروسيا.

عبقرية النصر
وقال الفنان الدكتور أحمد نوار - أحد محاربى أكتوبر المجيدة: إن الحديث عن حرب أكتوبر يحتاج إلى موسوعات ووسائط تكنولوجية وسينمائية لتوثيق هذا النصر وما قبله، وما أتى بعده، وعندما نتحدث عن النصر لا يمكن تجاهل ما حدث يوم 6 أكتوبر 1973 وعملية العبور فى حد ذاتها تعد عملية فذة وعبقرية، على المستويين التكتيكى وعلى مستوى التمويه والخداع، والعبور نهارًا لمانع مائى كان تحدياً ممزوجاً بإرادة وعزيمة المقاتل المصرى.
وأشار الدكتور نوار إلى أن إدارة المعركة اعتمدت على إرادة المقاتل وعلى انتمائه للوطن، أما تحطيم خط بارليف فيعد من العمليات القتالية الفذة لسبب وحيد وهو إرادة المقاتل وشجاعته وجسارته وعظمة ورقى وطنيته، ومن هذا المنطلق تحطمت إرادة المقاتل الصهيونى الهشة، وقد تحطمت أسطورة خط بارليف المنيع التى فشلت فى تدميره القنابل ونجحت إرادة المقاتل المصرى فى تدميره من الداخل وفى العمق.
وطالب الدكتور أحمد نوار ببث روح نصر أكتوبر فى نفوس وعقول ووجدان الشباب المصرى واستثمار هذه الذكرى فى تعميق الروح والانتماء الوطنى لديهم، لوجود أجيال لم تعرف شيئًا عن هذه الملحمة ولم تعرف شيئًا عن شباب الستينيات وهم الذين حققوا النصر فى 1973، ولم تدرس فى المدارس والجامعات كما ينبغى أن تدرس، حتى لا تمر دون غرس القيم الوطنية المستفادة من إرادة وطنية وعزيمة وإصرار على النصر وتحقيق الهدف والتخطيط وغيره، وكلها قضايا وموضوعات تؤدى إلى بناء صالح الوطن والمواطن لكى يحمل راية البناء والعطاء فى داخله بقلبه ويكون مواطن مثقف.
شهادات حرب الاستنزاف
ويروى الكاتب والمؤرخ حلمى النمنم رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية أن ذكرى نصر أكتوبر لا ينبغى أن تمر دون أن نتحدث عن حرب الاستنزاف خاصة أنه يتم ظلمها بإلحاقها على حرب أكتوبر، باعتقاد أنها هى التى هيأت المسرح لانتصارات أكتوبر عام 1973، وبالرغم من أن هذا يحمل جانبًا من الحقيقة، إلا أن الاكتفاء بهذه النظرة يجعلها كما لو أنها حرب من الدرجة الثانية، بالرغم من أنها الحرب التى شهدت استشهاد قائدها العسكرى فى ميدان القتال، وهو الفريق أول عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقتئذ، وهذا حدث لم نره فى تاريخ الحروب الحديثة، وبالتالى فإنه يجب التعامل معها بوصفها حربا بذاتها.
وأوضح النمنم أن التعامل مع هذه الحرب، كحرب منفصلة، هو ضد رغبة إسرائيل التى تسعى لشطبها من تاريخ الصراع معها، مضيفًا أن التعامل مع هذه الحرب كحرب منفصلة، يعنى تحديد يوم خاص للاحتفال بها، وليكن يوم 9 مارس يوم استشهاد عبدالمنعم رياض والذى نحتفل به كيوم لـ«الشهيد»، أو يوم بدئها أو يوم معركة رأس العش أو يوم إغراق إيلات، أو يوم إغراق المخابرات المصرية للحفار الإسرائيلى فى أفريقيا قبل توجهه لخليج السويس للتنقيب عن البترول، وغيرها من الأيام المجيدة فى هذه الحرب الخالدة.
طالب حلمى النمنم بتكوين لجنة متخصصة للتأريخ لهذه الحرب، وجمع الشهادات الحية من أبطالها الذين ما زالوا على قيد الحياة، حتى لا تتعرض للنسيان، فيتحقق هدف لإسرائيل نصنعه بأيدينا، على أن يشمل ذلك حصرًا لأسماء الشهداء والمصابين خلال هذه الحرب المجيدة.
وقال الدكتور زين عبدالهادى الروائى ورئيس دار الكتب الأسبق والأستاذ بكلية الآداب بجامعة حلوان: إن ذكرى حرب أكتوبر تحتاج إلى توثيق وكتابة أكثر لأن هناك العديد من البطولات على المستوى الداخلى العسكرى والمدنى التى لم يتعرض إليها أحد، وعلى سبيل المثال فإن تاريخ مدينة السويس خلال حرب أكتوبر يشكل وحده ملحمة بين العسكريين والمدنيين وأجهزة المخابرات، ولم يحصل هؤلاء على حقهم من الإضاءات التى تبين روح وكفاح هذا الشعب وترك الأمر لبعض القنوات الخارجية لإفساد نجاح هذه المعارك الخالدة وأسماء من قاموا بها، ناهيك عن المعارك نفسها فى الدفرسوار والزيدية ورءوس الكبارى فى قناة السويس، ودور حوائط الصواريخ، وملحمة الطيران، وكلها قضايا تحتاج لعشرات الأفلام.
وأشار عبدالهادى إلى أن الثقافة والفن فى مصر لم يكونا على قدر حرب أكتوبر وأهميتها فى التاريخ المصرى الحديث، خاصة أن الصراع بين السادات وكثير من المثقفين وقف حائلا أمام الكتابة الإبداعية عن هذه الحرب التى شكلت آخر حروب الصراع العربى -الإسرائيلى، وإن لم نعترف بذلك فنحن نتجنى كثيرًا على العسكرية المصرية وعلى الإنسان المصرى الذى هو فى أمس الحاجة الآن لإعادة بث الأمل فى جوانب روحه، وفى دعم انتمائه إلى تاريخه الحديث.
وقال الدكتور عبدالهادى أننا نحتاج إلى فتح ملفات الحرب لخلق حراك ثقافى وشعبى يعيد التأكيد على الهوية المصرية، وعلى مفهوم الوطنية، ومفهوم الحاجة الماسة إلى تنظيف كل الجراح القديمة، وبناء الإنسان الجديد المتطلع إلى المستقبل.
وتذكر زين عبدالهادى قائلا: على أن أتذكر أننى حين استيقظت صباح السادس من أكتوبر وكنت طالبًا بالسعيدية الثانوية العسكرية، حيث استقبلنا الأمر وكيف خضنا جميعًا هذه التحليلات، وكيف تبرعنا للذهاب للجبهة وعدنا من منتصف الطريق، آلاف من البشر كانوا يريدون الذهاب إلى الجبهة، أطفالاً وكبارًا، شبابًا وشيوخًا، وضربنا عرض الحائط بكل التعليمات العسكرية إلى أن قبض علينا وتمت إعادتنا للقاهرة فوق السيارات العسكرية وتسليمنا لأهالينا.. كانت تلك الروح هى ما يجب أن نحافظ عليه.