الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التدمير الأمريكى لـ«ليبيا»

التدمير الأمريكى لـ«ليبيا»
التدمير الأمريكى لـ«ليبيا»




ترجمة - أميرة يونس

نشرت صحيفة «بوسطن جلوب» الأمريكية دراسة للكاتب الصحفى «ستيفن كنزر» تحت عنوان «واشنطن دمرت ليبيا» يتحدث فيها حول انفلات الأوضاع وغياب مظاهر الدولة فى ليبيا بعد 3 سنوات منذ قيام التحالف الدولى بقيادة أمريكا لإسقاط نظام الديكتاتور الليبى معمر القذافى فى ليبيا.
وأكد الكاتب أن الغرب ظن فى البداية أنه انتصر للسلام والحرية وأن الأمور ستستقر بسرعة وسيتجه الليبيون نحو تأسيس ديمقراطية مؤيدة للولايات المتحدة، لكن كان هناك سوء تقدير كارثى للعواقب غير المقصودة التى نجمت عن التدخل فى ليبيا، والذى يعتبر الأسوأ فى فترة أوباما.


وأكد الكاتب أن التقارير الأخيرة القادمة من ليبيا، التى تتزامن مع الذكرى الثالثة لسقوط القذافى تفيد بأن الدولة لم يعد لها وجود، ولا توجد حكومة مركزية.
وتحت عنوان جانبى «حرب أهلية شاملة» لفتت الدراسة إلى ما قالته منظمة العفو الدولية بأن «الجماعات المسلحة والميليشيات تعيث فى الأرض فساداً، وتشن هجمات عشوائية على المناطق المدنية، وترتكب انتهاكات واسعة النطاق، بما فى ذلك جرائم الحرب، مع الإفلات التام من العقاب».
 ونقلت عن المبعوث الخاص للأمم المتحدة «برناردينو ليون»، إنه لا يستطيع التوسط «لأن أمامه المئات من الميليشيات»، وهناك احتمالات حقيقية لنشوب حرب أهلية شاملة، وبالتالى فإن الأسوأ لم يأت بعد.
وأوضح الكاتب أنه كان يجب توقع هذه الفوضى، حيث لا يمكن إسقاط نظام قائم منذ فترة طويلة ما لم يكن البديل واضحا وجاهزا إذ أن فراغ السلطة يغرى المنافسين بالقتال من أجل الحصول على مكان فى النظام الجديد، وبإسقاط رأس ليبيا مرة واحدة، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها فى حلف شمال الأطلسى جعلوا الصراع والفوضى والإرهاب واقعاً محتوماً.
وأشار الكاتب إلى أنه فى الوقت الذى كان يفكر فيه الغرب بإسقاط القذافي، كان قد تخلى حينها عن طموحاته النووية، وتوقف عن تهديد المصالح الغربية، وأبقى بلاده مستقرة لعقود من الزمن، وإن كان يستخدم فى ذلك أساليب وحشية أحيانا، لكن الأمريكيين سمحوا لأنفسهم، بكل تفاؤل ساذج وأنانية ثقافية، بأن يعتقدوا أن فى إمكانهم تحطيم ليبيا وتدمير كل مؤسساتها التى عاشت فى ظلها لأكثر من 40 عاما، مفترضين أن الأمور ستمضى سلميا من تلقاء نفسها وستصبح ليبيا «حرة».
ووصف الكاتب هذا التفكير الأمريكى بأنه فشل مؤسف لاستراتيجية وهمية، لأن أى مفكر حكيم سيتوقع تفجر الصراع المدنى عقب القضاء على هيكل الحكم فى ليبيا بين عشية وضحاها، وتوقع وزير الدفاع حينها روبرت جيتس هذه المأساة التى يتردد صداها فيما وراء الحدود الليبية.
ولفتت الدراسة إلى أن جيش القذافى كان يضم فيلقاً من قوات النخبة من قبائل الطوارق فى مالى، وعندما أطيح به، داهم مقاتلو الطوارق ترسانات أسلحته ودفعوا بها نحو بلدهم الأم مالى، واستخدموها هناك فى تفجير صراع أدى إلى تحويل رقعة شاسعة من شمال أفريقيا إلى منطقة لا تسيطر عليها الحكومة، إذ يترعرع فيها الإرهاب ويعانى فيها الناس من القمع والتطرف.
ووقعت أسلحة القذافى أيضاً فى أيدى ميليشيات متطرفة أخرى، بما فى ذلك بوكو حرام فى نيجيريا، التى تشتهر بخطف فتيات المدارس، وهذا مجرد جزء من العواقب الناجمة عن قرارنا بقصف ليبيا منذ 3 سنوات.
وختم الكاتب دراسته بأن الحياة فى ظل القذافى لم تكن تتميز بالحرية، ومع ذلك، كان معظم الليبيين يعيشون حياة طبيعية إلى حد ما طالما بقوا بعيداً عن السياسة، لكن لا يحيا أى ليبى اليوم حياة طبيعية، فهو مهدد على الدوام بالجماعات التى تحمل السلاح المنهوب من مستودعات القذافى، داعياً الغرب للتوقف عند هذه العواقب الوخيمة قبل القيام بأى تدخل آخر.
وفى سياق متصل بالأزمة الليبية نشرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية تقريرا مطولا تحت عنوان «السيسى يراقب بحذر الفوضى فى ليبيا» أن الحكومة المصرية تخشى من وجود تحركات إرهابية، على طول حدودها، وخاصة الغربية حيث تراقب بتوتر انزلاق ليبيا المنقسمة نحو الفوضى.
وأشارت الصحيفة إلى تعهد مصر بعدم التدخل عسكريا فى ليبيا، وتلقى بثقلها خلف حكومة عبدالله الثنى وتبارك عمليات الجيش الليبى ضد المسلحين والمتشددين هناك.
ونقلت الصحيفة عن الخبير بمعهد الخدمات الملكية المتحدة فى لندن «إتش هيلر» قوله: إن «السلطات المصرية تنظر إلى ليبيا بأعين التجربة الخاصة داخل مصر بناء على خبراتها، حيث تخوض الحكومة المصرية معركة مع أنصار بيت المقدس فى سيناء، وقتل المئات من رجال الشرطة ووصف الرئيس عبدالفتاح السيسى الحرب ضد الإرهاب بأنها معركة وجودية».
ولفتت الصحيفة إلى أن المساعدات التى تقدمها مصر إلى ليبيا تركز على تدريب القوات الليبية بهدف زيادة قدرات الجيش والشرطة لمحاربة الإرهاب وتأمين الحدود المشتركة، إذ أصبحت ليبيا تربة خصبة لـ«الإرهابيين» فى الوقت الذى أصحبت حدود مصر الغربية «غير محكومة».
وأضافت أن هناك مخاوف كبيرة بسبب الوضع فى ليبيا من محاولة انضمام المصريين الساخطين ومحاولة صقل مهاراتهم فى معسكرات المتشددين، مشيرة إلى الاشتباكات التى تحدث بين الجماعات المسلحة والمتشددين الإسلاميين الذين ساعدوا فى إسقاط معمر القذافى فى عام 2011 وتتناحر من أجل السلطة، موضحة أنه فى أغسطس الماضي، استولت الميليشيا المدعومة من الإسلاميين على العاصمة طرابلس وأنشأوا برلمانا خاصا بهم.
وانضمت مصر- التى وعدت بعدم التدخل عسكريًا- لحلفائها فى الخليج، لتوفير مزيج من المساعدات العامة والسرية للجماعات المفضلة لديهم، وينظر إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر بأهدافها المشتركة لمحاولة احتواء الإسلام السياسى فى البلاد.
ونقل التقرير الأمريكى عن «محمد الجرح» ، زميل غير مقيم فى مركز رفيق الحريرى للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسى، أن الأفراد يمكنهم التنقل بحرية فى تلك المناطق، ويمكنهم طلب المساعدة هناك، ويختلط المتشددون مع الأشخاص المهربين الذين يقدمون تأشيرات مزورة وجوازات سفر للمجاهدين مقابل رسوم.
كما تناولت الصحف الإسرائيلية الأزمة المتفاقمة فى ليبيا، وانتقد بعضها صمت الغرب بينما تتجه ليبيا إلى الهاوية، ودعت أخرى إلى أخذ العبر من الحرب على أفغانستان وإلى عدم الشعور بالإحباط.
وانتقدت صحيفة «هاآرتس» موقف الغرب إزاء الأزمة المتفاقمة فى ليبيا، مشيرة إلى أن ليبيا تنزلق نحو الهاوية، وأن سقوط نظام الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى أحدث ابتهاجا فى البلاد، ولكن هذه الحالة لم تدم طويلا فى ظل حالة الفوضى الدموية التى وصلت إليها البلاد فى مرحلة ما بعد التدخل الأجنبى.
وأضافت أن  الصمت الغربى تجاه ما يحدث من فظاعة فى ليبيا، فى ظل الصراع بين الميليشيات المتحاربة، والتى تخوض حربا أهلية أدت إلى تمزيق البلاد. موضحة  أن التدخل الأجنبى مهما كانت نواياه فى ليبيا، فهو الذى أوصل البلاد إلى ما هى عليه الآن من اضطراب وفوضى دموية كارثية.
وفيما يخص الحدود المصرية الليبية كتب «زاك جولد» الزميل الزائر بمشروع الأمن الأمريكى تقريرا فى  صحيفة «إنترناشونال بيزنس تايمز» البريطانية تحت عنوان «النزاع فى ليبيا يهدد الحدود المصرية»  يؤكد فيه أن الهجمات الإرهابية داخل مصر ليست أمرا غريبا على شعبها ولكن التصاعد الأخير يؤكد وجود تهديد إرهابى كبير وهو ما يعطى فرصة للحكومة لانتهاج ما تراه مناسبا لمحاربة ذلك الإرهاب.
وتابع إن مصر لا تزال تواجه تصعيدا فى النشاط المتطرف كما أنها أصبحت عرضة للتأثر بامتداد النزاعات الأخرى فى المنطقة بعد اشتعال الحرب فى ليبيا وإعلان جماعة أنصار بيت المقدس فى سيناء ولاءها لتنظيم داعش الإرهابى.
وأضاف أن سيناء هى مركز التهديد المحلى الأكبر لمصر بسبب اتخاذها مقرا رئيسيا لتنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى والتى لا تتوقف عن تنفيذ عمليات ضد قوات الأمن المصرية منذ إسقاط حكم محمد مرسى فى يوليو من العام الماضى.
وأشار إلى أن السيسى يواجه واحدة من أكبر المشاكل السياسية الخارجية مع تصاعد الصراع المسلح داخل ليبيا، ويقترب القتال تدريجيا من الحدود المصرية كما أنه يعبرها للداخل فى بعض الأحيان.