الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

النتائج السيئة للتوظيف السياسى للدين

النتائج السيئة للتوظيف السياسى للدين
النتائج السيئة للتوظيف السياسى للدين




د.عبدالله النجار

بدأت مظاهر التوظيف السياسى للدين، تطل بوجهها القبيح وأكاذيبها المملة، وأصبح من السهل على أى مسلم حصيف يعرف أحكام دينه معرفة صحيحة أن يتبين ملامح تلك المظاهر والوسائل التى تتشكل فيها، ومن أهم تلك الملامح أن أصحاب المصلحة الدنيوية المقصودة من التوظيف السياسى للدين يحرصون على تسويق أفكارهم للجماهير بقصد الوصول إلى هدف محدد هو زرع اليأس فى قلوب الناس وتحطيم أى بادرة أمل فى مستقبل يحلم فيه كل مصرى بما يريد، وغدٍ يتطلع فيه إلى حياة كريمة لأولاده وأحفاده، حتى لا يكون هؤلاء الأبناء والأحفاد وهم الامتداد الطبيعى لحياته وتاريخه نهبًا للضياع، أو هدفًا لتلك الذئاب الطامعة، والتى تتطلع إلى لحظة الانقضاض على بلادهم بقص الاستيلاء على خيراتها ونهب ثرواتها، ثم تحويل أبناء تلك البلاد إلى قطيع مستهلك لما ينتجه هؤلاء الطامعون المجرمون، أو تسخيّرهم ليكونوا خدامًا لتلك الذئاب وهم يعيشون فوق أرض بلادهم.. فيكون أبناؤنا وأحفادنا غرباء وهم داخل حدود بلادهم التى توارثوها عن آبائهم وأجدادهم جيلاً بعد جيل حتى وصلت إليهم بسيادتها وخيراتها وحريتها واستقلالها، وهو مستقبل مر ندعو الله ضارعين ومخلصين أن لا يكتبه على أبنائنا وأحفادنا، وأن لا يقدره لبلادنا وأن يكتب لها الأمن والعزة والاستقلال والسلامة من كل سوء، إنه ولى ذلك والقادر عليه، وهو الحافظ لمصر وبلاد العرب والمسلمين، وما عليها، ومن عليها إلى يوم الدين.
وإذا كانت تلك المقاصد السيئة، هى الغاية المرجوة من التوظيف السياسى للدين، فإن من يقومون بها، ويعملون على توظيف الدين لخدمتها، لا يمكن أن يكونوا مخلصين لبلادهم ولا صادقين فى الحرص على دينهم، وإنما تجار ممنوعات، وقراصنة لا يعملون إلا فى أحط المحظورات، وهى تدمير البلاد وإذلال العباد، والتجاهل الكامل لما سنه الله ورسوله من إنزال دينه ليكون سببًا لسعادتهم فى الدنيا والآخرة، بل إن ما يفعلونه لتحقيق  تلك المقاصد السيئة، بل المآرب الخبيثة لا يمكن أن يصب فى صالح الإسلام، أو يصنف فى جانب المحافظة على الأوطان، وإنما هو عداوة ظاهرة لله ولدين الله ولعباد الله ولبلاد الله.
والأصل أن يكون الدين هو المخدوم بالدنيا، فإن الدنيا العزيزة الكريمة هى الحضَّانة للدين العزيز القوى، فهى التى تحتضن مبادئ الدين وتحافظ عليها، وبدون دنيا عزيزة كريمة ووطن كريم الجانب، ومحفوظ الرحاب ومحمى الثغور لا يمكن أن يقوم الدين أو ترتفع مآذنة فى المساجد والمعابد ودور العلم، بل ولا يمكن أن يقوم أى مظهر كريم من مظاهر الحضارة الإنسانية التى يدعو الدين أتباعه إلى تحقيقها والمحافظة عليها، لتكون دليلاً على ما أنعم الله به عليهم حين منحهم نعمة العقل التى يقدرون بها على صنع الحضارة وحفظ التراث الإنسانى حتى يكون تراكمه دافعًا للتجديد وصنع مستقبل يعتمد على تجارب السابقين، وخلاصة أفكارهم المنيرة، ورحم الله الشيخ جمال الدين الأفغانى حين أدرك مبكرًا أهمية تلك الحقيقة ودورها فى وقتنا الراهن التى بدأت فيه المطامع فى بلاد المسلمين تطل بوجهها الكئيب فقال: إن حفظ الأوطان يسبق حفظ الأديان، وكان قصده من ذلك: أن الدين لا يمكن أن يقوم بدون وطن محمى الثغور مرهوب الجانب، وأن أول خطوات القضاء على الدين تبدأ بالهجوم على البلاد التى ترتفع فيها رايات الدين، وهذا حق يؤكده الواقع وتثبت صدقه وقائع التاريخ.
لقد حول أولئك الذين يوظفون الدين لخدمة السياسة، أماكن الأولويات، فجعلوا الغاية وسيلة، والوسيلة غاية، وذلك حين سخَّروا الدين لخدمة الدنيا وتحقيق مآربها الدنيئة فى الوصول إلى الكرسى، مع أن النسق الصحيح للأمور يوجب أن تكون الدنيا خادمة للدين، فمن سخَّر دنياه لدينه فاز بالدنيا والآخرة، ومن سخَّر دينه لخدمة دنياه خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
ويمكن حصر ملامح التوظيف السياسى للدين فى أمرين يمكن أن يرجع إليهما كل خلل وخطأ فى مسلك أولئك المتاجرين بالدين والذين يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً من أجل مآربهم المريضة: أولهما: تقنيط الناس من كل أمل يدفعهم لاستشراف مستقبل كريم يليق بمكانتهم التاريخية، وما قدموه للإنسانية من إرث حضارى يمتد لآلاف السنين.
وذلك باختلاق أزمات وإشاعتها مثل نقص السلع التموينية، أو المشتقات البترولية أو انقطاع الكهرباء أو ارتفاع سعر الدواء وما إلى ذلك مما يحاول المرجفون إثارة الناس به، والقضاء على ما يتكون فى نفوسهم من الأمل فى مستقبل باهر مع قيادتهم الجديدة، والتعاون الصادق معها فى بناء مكونات التقدم والنهوض المحققة لذلك الأمل، متناسين أن تلك الأزمات العارضة لا تقارن بما يحدث فى البلاد المجاورة لنا من تقاتل أتى على الأخضر واليابس وجعل الناس يفرون من القتال إلى الحدود حيث الهلاك والثلوج والجوع.
وثانيهما: الترويج لفكرة تكفير المجتمع واختلال الأخلاق فيه فتجد من يركز على صور الجرائم الأخلاقية التى أوجب الله الستر فيها، وجعلها سمة من سمات الحياة الجديدة، وذلك الأسلوب الخبيث هو التعبير المخفف للرمى بالتكفير، إنهم لا يتلفظون بكلمة التكفير صراحة، ولكنهم يعبرون عن معناها بشيوع الفسق والفساد والفجور والإلحاد والانحلال فى المجتمع، ليصلوا إلى قتاله واستحال حرماته، ثم تغييره إلى حيث يريدون كما قال بعض قادتهم من قبل.
ويجئ فى إطار فكرة التكفير المقنع هذه، فكرة أخرى أشد خبثًا وهى تدمير معين الوطنية والاستخفاف بها وبرموزها كالتعلم والسلام الوطنى، وذلك بالترويج لما يعبرون عنها بالتواصل الدينى مع الذين يعيشون فى الخارج، وهنا تطل فكرة الأممية كبديل للوطن الذى قال عنه أحد قادتهم إنه حفنة من تراب، بينما تدنى آخر فى حديثه عن الوطن حين قال: (طظ) فيه، وقد أنسى الحقد هذا القائل الساخر من وطنه أن الوطن نعمة تنبت الزرع وتحفظ النفس والعرض بل هو من أجل نعم الله على الناس، ولا يجوز لمسلم صحيح العقيدة أن يقول على النعمة (طظ)، إن فكر التكفير وتحقير الوطن قديم حديث، وسيظل قائمًا كرمز لحقد أصحابه، ودليل على توظيفهم للدين من أجل المكسب السياسى.