شراكة «واشنطن» و«طهران» الخفية تمتد إلى «صنعاء»
إسلام عبد الكريم
تقرير - إسلام عبدالكريم
ثورات الربيع العربى تعلقت عليها آمال الكثير من الشعوب فى المنطقة بعد أن ذاقت لعقود طويلة مرارة العيش كما ساعد على قيامها سوء الأحوال الاقتصادية وانتشار القمع والاستبداد، لكن الرياح تأتى دائمًا بما لا تشتهى السفن، فقد تحولت تلك الثورات لنقمة على الكثير منها او كما سماها الغرب بـ «الخريف الإسلامى»، لما خلّفته من آثار نتج عنها صعود تيارات إسلامية للحكم فى بعض الدول، أغلبها لا يحمل من الإسلام إلا اسمه ،كما تسببت الثورات فى تقسيم دول أخرى بعد انهيار الأنظمة الحاكمة، وتحولت تلك الدول لساحة مفتوحة لأجهزة الاستخبارات الغربية ومطمع من قبل دول أخرى.
ولعل أبرز تلك الأمثلة التى تحولت لمصدر قلق لدول المنطقة كانت اليمن، فرغم سقوط نظام «على عبدالله صالح»، إلا أن هذا لم يحقق الآمال الشعبية المنشودة، بل حقق هدفا كانت تسعى اليه دولة أخرى وظلت تترقب تلك اللحظة منذ أمد طويل، فى سعيها لمد نفوذها وإعادة أمجاد إمبراطورية سابقة، إمبراطورية فارس القديمة، ومد نفوذها ونشر الفكر الشيعى لبسط سيادتها على دول منطقة الشرق الأوسط، إنها إيران التى تسعى لتحقيق طموحاتها وبسط سيادتها على المنطقة ومحاربة المذهب السنى لتكون القوة الإقليمية الرائدة. فطهران كانت تترقب تلك اللحظة منذ عقود طويلة على أمل إنشاء قاعدة متقدمة لها مطلة على البحر الأحمر لتحيط بالسعودية من جانب، كونها القوة السنية الأكبر حاليا التى يراها الغرب هى ومصر كقوة معتدلة فى المنطقة العربية، فمنذ أكثر من عقد خططت إيران لبسط نفوذها فى المنطقة ورأت أن أفضل طريق لتحقيق حلمها هو دعم الحوثيين، خاصة لاعتناقهم المذهب الشيعى، وهو المدخل الذى استخدمته المرجعية الدينية فى الدولة الفارسية لجذب الحوثيين وغسل عقولهم بأنهم كشيعة على حق وأنهم مذهب واحد ويجب عليهم التوحد لتحقيق فكر الدولة الشيعية الكبرى، ومحت من عقولهم كونهم عربا أو أن أمن دولتهم هو أمنهم.
وخلال الأشهر الأخيرة حقق الحوثيون انتصارات على الساحة اليمنية، واستطاعوا احتلال العاصمة واشتبكوا مع حرس الرئاسة وحاصروا قصر الحكم وأجبروا الرئيس «عبدربه منصور هادى» على التنازل، هذه العملية أثارت حفيظة الغرب، والدول العربية وعلى رأسها مصر ودول الخليج التى رأت موقف الحوثيين الأخير تهديدا مباشرا للأمن القومى العربى، خاصة فى ظل موقف دولى مخيب للآمال، دون أن يوقف هذا التحرك الذى تقوده إيران بشكل لا يمكن لأحد إنكاره.
لكن التحرك الأخير للجماعات الشيعية لم يكن مصدرًا لقلق الدول العربية فقط، إذ كان هناك من يترقب ويتابع عن كثب آخر التطورات التى تتخذ اليمن مسرحا لها برعاية إيرانية، وهى إسرائيل التى تسعى دائما لتقويض النظام الإيرانى وحتى توجيه هجمات عسكرية لها إذا سمحت الفرصة. فالعداء الإسرائيلى - الإيرانى – حتى وإن كان إعلاميًا فقط- فهو أمر لا يمكن لأحد إنكاره، وكل منها يسعى جاهدا لاستنفاد الآخر وإضعافه.
وفى هذا السياق، أعد موقع «ديبكا»، المقرب من الدوائر الاستخباراتية الإسرائيلية، تقريرًا عن التحركات الأخيرة للحوثيين على الساحة، مسلطًا الضوء على الموقف الغربى، وبالأخص الموقف الأمريكى، وفى معرضه كشفت المصادر الاستخباراتية للموقع عن إعطاء الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر للمتمردين الحوثيين للإقدام على محاصرة قصر الرئاسة والإطاحة بالنظام المؤقت فى اليمن، فقد كشفت المصادر أن إدارة الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» أعطت الضوء الأخضر للحوثيين لهذا التحرك، ومنحتهم أيضا معلومات استخباراتية، بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة الأمنية الإيرانية.
وأشار التقرير إلى أنه بفضل هذا التعاون الاستخباراتى والأمنى الإيرانى- الأمريكى هو ما مكّن الحوثيين من السيطرة على أجزاء كبيرة من اليمن، لكنها محدودة وتقتصر فقط على الوسط وشمال اليمن بأكمله. وأوضحت تلك المصادر أن هذا التعاون لم يكن وليد اللحظة، وأن واشنطن وطهران استخدمتا الحوثيين ما بين السنوات 1990 حتى 2012، وأن الإدارة الأمريكية هى من كبحت الرئيس السابق «صالح» عن القضاء على الحوثيين خلال الاضطرابات التى ضربت اليمن خلال السنوات التى سبقت ثورات الربيع العربى.
وجاء السقوط المفاجئ لصنعاء فى أيدى الحوثيين بدون أن تكون هناك أى مقاومة من أى جهة عسكرية أو استخباراتية واحدة توقف سيطرة الحوثيين. وبرغم الدعم الغربى غير المعلن للحوثيين، إلا أن الموقع الإسرائيلى أوضح أن الشعار الذى يرفعه الحوثيون دائما هو «الموت لأمريكا»، ويرددونه أيضًا ضد إسرائيل خلال الاستعراضات العسكرية والمظاهرات التى قاموا بها فى الساحات الرئيسية فى طهران.
وأشار «ديبكا» إلى أن قوات الحوثيين التى احتلت صنعاء استولت على كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية الحديثة المتطورة، والتى تصل قيمتها لنحو 400 مليون دولار. وتسود التقديرات فى صنعاء حاليًا بأن هناك تعاونا وثيقا بين إدارة «أوباما» وبين الرئيس الإيرانى «حسن روحاني»، وبهذا تنقلب السحر على الساحر، فمع سيطرة الحوثيين على وسط وشمال اليمن نجد أن اليمن يسيطر عليها الآن قوتان معاديتان للغرب لواشنطن خاصة، الأولى هى الحوثيون الموالون لإيران فى الشمال، والثانية فى الجنوب وهى تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية.
وأضاف الموقع أن دول التعاون الخليجى، وعلى رأسها السعودية، ترى ما حدث فى اليمن هو انقلاب وتهديد مباشر للأمن القومى الخليجى والعربى عامة.
وأوضح التقرير أنه خلال اللقاء الذى جمع بين «أوباما» والعاهل السعودى الجديد «الملك سلمان»، حاول الملك عرض المخاوف العربية من الترصد الإيرانى ومساعى زعزعة الاستقرار فى المنطقة لصالحها، إلا أن الرئيس الضيف حاول التخفيف من تلك المخاوف وقدم إجابات لم تكن مقنعة للقيادة السعودية.
ووفقا للتقرير، فإن اليمنيين وحدهم هم الذين على استعداد لمحاربة تنظيم «القاعدة»، فى الوقت الذى يحاول فيه مسئولون بإدارة «أوباما» إخفاء الدعم الإيرانى للحوثيين، وعندما حاولوا تهدئة الدول العربية القلقة خرج المتحدث باسم البيت الأبيض واعلن أن الحوثيين يحصلون على دعم من إيران، ولكنهم غير تابعين لهم وأنهم هم من سيحارب تنظيم «القاعدة».
وأكدت المصادر أن التعاون الاستخباراتى الاستراتيجى بين أمريكا وايران فى اليمن يتم بمستويات عالية، مثل ما يحدث فى الأراضى العراقية. الأمر الذى يثير قلق ومخاوف دول الخليج العربى ومصر والأردن، وأيضا إسرائيل، واكثر ما يثير القلق هو ظاهرة الشراكة الأمريكية ـــ الإيرانية من وراء الكواليس، لكن هذا التعاون ليس قائمًا فيما يتعلق بالحرب على الجماعات الإرهابية فى الشرق الأوسط.
فى نفس السياق، يشار إلى تقرير نشرته صحيفة «وورلد أفيرز جورنال» حول التداعيات المقلقة فى اليمن، مؤكدة أن الصراع بين الحوثيين والقبائل السنية المسيطرة وتنظيم «القاعدة»، يتعلق بالسعى إلى السيطرة والنفوذ. يضاف إلى هذا الخليط المتفجر ظهور داعمين لتنظيم «داعش، من الذين انشقوا عن «القاعدة» فى شبه الجزيرة العربية، مما نتج عنه تحولات فى الولاءات القبلية، ويصبح التنظيم الإرهابى قوة محتملة يعترف بها ويمكن تمييزها فى اليمن، وهو أمر يحتاج إلى الإدراك بسرعة، بالنظر إلى أن زعيم «داعش» ،أبو بكر البغدادى، كان قد دعا اليمنيين السنة إلى مقاومة الحوثيين الشيعة، وليس مقاومة تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية. هو ما سيجعل هناك قبول لداعش بين اليمنيين.
وأوضح التقرير الأمريكى أن الخطة التى وضعت لتقسيم اليمن كاتحاد فيدرالى مكون من ستة أقاليم، خلال الحوار الوطنى الذى كان قد أعلن عنه أول الأمر فى العام 2012، وقد نسفه الحوثيون. مشيرا إلى إن الرئيس المخلوع «صالح» دعم استيلاء الثوار على السلطة، وكان يحث «هادى» على الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة كطريقة للخروج من الاضطرابات المتعمقة فى البلد، كما نصحه بالسعى إلى تحقيق «وحدة وطنية».
وفى نهاية التقرير أشار إلى ان تقدم الحوثيين للسيطرة على مناطق معينة يهدف لخنق السعودية ومصر، من خلال قطع طريق الإمداد البحرى الرئيسى عبر باب المندب، بالإضافة إلى السيطرة على خطوط أنابيب النفط والغاز على طول الساحل الغربى، وأن ما يجرى يشكل دعمًا لتنظيمى القاعدة وداعش لحشد مؤيديهما فى المنطقة الجنوبية، سواء من القبائل السنية التى تقف فى مواجهة المد الشيعى، أو من الثوار الذين يحاربون الحوثيين.