كيف احتفـل رؤساء مصر بعيد العمـال؟
إبراهيم جاب الله
كتب - إبراهيم جاب الله
بين وعود وشعارات ومطالب تنتظر تحقيقها، تظل احتفالات عيد العمال لها أهمية خاصة على مدار تاريخ مصر باختلاف رؤسائها، وكانت أول احتفالات بعيد العمال فى عهد الرئيس السيسى ذات طابع خاص تحدث فيها السيسى بلغة العامية بعيدا عن الخطابات الرسمية ليذكرنا بخطابات الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، واختلفت طريقة تعامل كل رئيس مع الطبقة العاملة فى مصر طبقا للظرف السياسى والأوضاع السائدة فى البلاد، حيث كان لكل رئيس أسلوب خاص فى مخاطبة العمال والحديث عن قضاياهم وحقوقهم وواجباتهم .
وتنوعت أماكن الاحتفالات أيضا باختلاف الرؤساء الستة الذين شاركوا العمال احتفالاتهم من عهد الزعيم جمال عبدالناصر إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، بل وكانت لغة خطاب كل رئيس انعكاسًا للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
جمال عبد الناصر
أما الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان أول رئيس يحتفل بعيد العمال، واعتاد أن يلقى خطاباته وسط العمال فى المدن العمالية الشهيرة مثل شبرا الخيمة والمحلة الكبرى، فيما كانت الخطابات تتطرق إلى كل ما يشغل المجتمع المصرى بما فيها مشاكل العمال.
لو بدأنا الحديث عن خطابات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أكبر مدافع عن العمال وقضاياهم والذى تمكن من بناء مناطق عمالية متكاملة فى حلوان وشبرا وغيرهما، فقد اختار عبدالناصر أن ينزل فى الاحتفالات إلى العمال فى أماكن عملهم ولذلك كانت أعياد العمال وخطابات عبدالناصر من مقر التجمعات العمالية فى المحلة الكبرى حيث قلاع صناعة النسيج وهو ماحدث بالفعل عام 1966 حين تحدث الرئيس جمال عبدالناصر فى خطابه عن الاشتراكية وانه يسعى إلى تحقيق مستوى معيشة ملائم للعمال ورفع مستوى معيشة المواطن بشكل عام، كما ركز بقوة على ما أسماه ناصر «الشعب العامل» الذى تخلص من كل أشكال الاستبداد، ولم يكتف بذلك فقط بل كان يتطرق إلى مجانية التعليم للجميع، وتكررت الاحتفالات بعد ذلك فى شبرا الخيمة والمدن الصناعية، وكان الرئيس حريصًا على التطرق إلى القضايا العربية وأنه يسعى إلى تقوية عزيمة الجيش المصرى وكان ذلك انعكاسا واضحا للظرف السياسى بعد هزيمة 1967.
وبسبب تزايد شعبية الراحل جمال عبدالناصر وسط العمال، حاول الرئيس أنور السادات السير على نفس نهج عبدالناصر فى التعامل مع العمال والاحتفال بعيدهم، وقام أيضا باقامة الاحتفالات فى التجمعات العمالية وكان من بينها احتفاله فى شبرا الخيمة و15 مايو، حتى خطابات السادات كانت تركز على رفع الروح المعنوية للجنود المصريين وابراز دورهم فى حرب أكتوبر 1973، بالاضافة إلى حرصه على التأكيد الدائم على الاستجابة للمطالب المشروعة للعمال، كما قرب الرئيس الراحل السادات قيادات العمال منه.
ومن الحديث عن الاهتمام بالعمال وتحقيق مطالبهم، إلى عصر آخر بدأت فيه خصخصة الشركات وتشريد العمال وخروج الآلاف على المعاش المبكر، وهو عصر الرئيس الاسبق حسنى مبارك، حيث زادت الاعتصامات العمالية بشكل كبير فى عهده حتى وصلت إلى مقر مجلس الوزراء ومجلسى الشعب والشورى.
ولم تكن حالة الاحتقان فى الوسط العمإلى فى عهد مبارك من فراغ بل بسبب تصرفات النظام السياسى فى ذلك الوقت كما قلنا من خصخصة وبيع الشركات، وظلت عبارة «المنحة ياريس» هى الأشهر فى تاريخ احتفال مبارك كل عام بعيد العمال، حيث لجأ مبارك إلى الاحتفال فى القاعات المكيفة بدلا من المناطق العمالية وكانت أشهرها قاعة المؤتمرات الكبرى بمدينة نصر وكذلك قاعة المؤتمرات بالأزهر .
وكان مبارك دائمًا الحديث عن النمو الاقتصادى وزيادة معدلات التشغيل والارتقاء بأوضاع العمال والحفاظ على مصالحهم وحقوقهم غير أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع وظلت معدلات النمو بعيدة عن تحقيق العدالة الاجتماعية ولم يستفد منها العمال بل رجال الاعمال فقط وتزايد زواج السلطة بالمال، ولذلك كانت احتجاجات العمال بمثابة الشرارة التى مهدت لقيام ثورة 25 يناير.
ويعد قيام الثورة وتولى الرئيس الاخوانى محمد مرسى مقاليد الحكم كانت احتفالات عيد العمال أسمت بطعم الأعياد العمالية السابقة التى كان يشهدها عمال مصر، وحاول مرسى أن يقلد الرؤساء وزار مجمع الحديد والصلب بحلوان قبل عيد العمال محاولا تقليد ماكان يفعله الرئيس عبد الناصر، ثم أقام الاحتفال بعيد العمال فى مقر قصر القبة فى احتفالية غريبة من نوعها جهز فيها وليمة للحضور من الأرز واللحوم والمشروبات داخل قصر القبة، وأربك جميع مؤسات الدولة حين تحدث عن حقوق العمال مؤكدا انه سوف يسعى إلى زيادة العلاوة بنسبة 50% رغم أن العجز فى الموازنة العامة للدولة كبير ولم يحقق أيًا من وعوده.
وفى المحطة قبل الأخيرة بعد قيام ثورة 30 يونيو التى تولى بعدها المستشار عدلى منصور رئيسا مؤقتا للبلاد حاول التأكيد فى خطابه على عدم التفريط فى أصول وشركات الدولة من أجل دعم اقتصاد مصر بشكل كبير، ونال منصور بوقاره كرئيس للمحكمة الدستورية احترام العمال فى عام واحد قضاه رئيسا للبلاد.
ثم كان الاحتفال الأول بعيد العمال فى عهد الرئيس السيسى والذى تمت اقامته منذ أيام فى مقر أكاديمية الشرطة، حيث كان احتفالا له طابع خاص أصر خلاله الرئيس على مخاطبة العمال بلغتهم وتحدث بالعامية ولم يقرأ أى كلمة من الخطاب المكتوب، وكالعادة كانت الظروف السياسية التى تواجهها مصر حاليا من ارهاب وارتفاع أسعار مسيطرة على أجواء الاحتفال حيث تعهد الرئيس أمام العمال باجراءات حاسمة لمواجهة الارهاب ومنظومة لمواجهة ارتفاع الاسعار.
وكان خطاب الرئيس السيسى مختلفا لأنه ركز على ضرورة احداث تغيير طويل فى ثقافة العامل المصرى والمواطن بشكل عام لكى يساعدوا الدولة فى القضاء على الارهاب والنهوض بالاقتصاد وقال «كلنا هانبنى البلد مع بعض» واعتمد السيسى على المصارحة والمكاشفة مع العمال بلغتهم البسيطة.