الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«النيوتروسوفيا» من منظور أمريكى عربى

«النيوتروسوفيا» من منظور أمريكى عربى
«النيوتروسوفيا» من منظور أمريكى عربى




كتب - خالد بيومى


«الفلسفة العربية من منظور نيوتروسوفى» هو عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة من تأليف الدكتور صلاح عثمان أستاذ الفلسفة والمنطق بجامعة المنوفية والبروفيسور الأمريكى «فلورنتن سمارانداكه» أستاذ ورئيس قسم الرياضيات والعلوم بجامعة نيومكسيكو الأمريكية وهو صاحب نظرية «من الفلسفة إلى النيوتروسوفيا» التى هى بمثابة رؤية خاصة لنسق فلسفى منطقى ونظام حياة نبع من مواقف متشابكة استمدها الفيلسوف من واقعه الاجتماعى الفريد وعلاقته بموطنه الأصلى – رومانيا – التى عاصر فيها النظام الشمولى خلال فترة حكم نيكولاى تشاوشيسكو والتى اضطرته إلى الهجرة وأسرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى معارفه وهواياته ودراسته للفلسفة وعلم الرياضيات . وهو لا ينظر إلى الحياة نظرة أحادية البعد، بل نظرة شاعر وفيلسوف وعالم رياضيات .
وتهدف النيوتروسوفيا كما يراها «فلورنتن سمارانداكه»إلى إيجاد علاقة جدلية بين ثلاث جوانب متقابلة وليس جانبين فقط، هذه الجوانب هى الصدق والكذب وما بينهما من مواقف حيادية تكشف طابع اللاتحديد فى عالمنا. ويرى الفيلسوف أن أية فكرة كما تحمل برهان صدقها تحمل أيضًا برهان كذبها، وبالتالى قد تتحول الأفكار الفلسفية المتناقضة فى وقت ما إلى أفكار متسقة والعكس ؛ لأن كل فيلسوف لابد له أن يضيف ويحوّر ويرفض أفكارًا معينة، فضلًا عن أن هذه الأفكار المستجدة لن تدم بجدتها، ولن يظل المعصوم معصومًا، ولن يبقى المؤكد أو نقيضه على نفس المنوال.
الجزء الثانى من الكتاب يتناوله الدكتور صلاح عثمان حيث قام بتطبيق النظرية قيد البحث على الفكر العربى الإسلامى وهو لا يسعى لإثبات التقارب بين الفكرين، لكنه يكشف أن الفكر العربى الإسلامى مفعم بنظريات دقيقة ذات منهج محدد وهدف موجه وتشريعات محكمة سبقت بدقتها ورفعتها النظم الغربية الحديثة والمعاصرة، كما بحث دلالة مصطلح « حضارة عربية أم حضارة إسلامية « واصلًا بين الأصول التاريخية والسياسية والاجتماعية والدينية . كما خرج بعدة نماذج لمنطق القياس الأصولى المستمد من التشريع الفقهى، وكشف أن هذا الفقه يؤكد على قيم أصيلة مثل تدعيم تعددية التفسير وتأكيد ضرورة الحوار الجدلى بين الرأى والرأى الآخر دون تعصب مذموم أو تشدد محصور، فضلًا عن دور الجانب الحيادى .
ويشير عثمان إلى أنه إذا كانت قوة العلم قد أدت إلى أزمة فكرية – أخلاقية يكابدها الإنسان بسبب غرور الإنسان الذى حقق إنجازات علمية وشيد مذاهب وأنساق فلسفية وتضرع إلى عقله المتناهى بدلاً من الخالق اللامتناهى، تأتى النيوتروسوفيا لتؤكد على نسبية الأفكار وإمكانية تأرجحها بين الصدق والكذب والحيادية، تؤكد أيضا أننا ما زلنا، وسنظل فى حاجة إلى الله وإلى رسله وكتبه السماوية وهو ما تؤكده الفلسفة العربية من خلال التوفيق بين النقل والعقل، بما لا يزعزع أسس المعتقدات الدينية، أو يخل بمطالب الإنسان الدنيوية .
ويهدف الكتاب إلى إيقاظ العقل العربى المعاصر من سباته الذى أقعده عن اللحاق بركب التقدم المعرفى وأحاطه بأسيجة الموجب، والقاطع، والثابت، وغيرها فى عالم تتسارع فيه وتيرة التغيير وتنهار فيه الحواجز بين كثرة من الثنائيات المستقرة فى أذهاننا.