الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سعد الدين الشاذلى المحارب المتمرد




إعداد - مصطفى عرام وأحمد عبدالعليم
أربعون عامًا مرت على ملحمة العبور.. «السادس من أكتوبر.. العاشر من رمضان عام 1973».. هذا اليوم الذى سطرته دماء طاهرة على أرض سيناء المصرية.. لتسترد كرامة أمة أهينت وكبرياء انكسر فى 1967.. لكن رجالها بكل شمم وإصرار وعزة.. أبوا أن تظل هذه الأمة مهزومة؛ فأخذوا بالثأر لإخوانهم الذين سالت دماؤهم شهادة على تراب هذه الأرض.

أربعون عامًا مرت هذا اليوم.. لتتجدد فى ذكراه احتفالاتنا وأفراحنا.. أربعون عامًا هى عمر أجيال تمثل السواد الأعظم من تعداد هذا الشعب الأبى.. لقد فات هذه الأجيال مشهد العبور وارتفاع رايات النصر.. فاتتهم رؤية العلم  المصرى يرفرف خفاقًا فوق رمال سيناء، فيخطف معه القلوب.. فاتهم إحساس جيل كامل عاش تلك الفترة بعذاباتها وآلامها وانكساراتها.. فكانوا كمن سقط فى هوة سحيقة من الذل والانكسار واحتلال الأرض.. فاتتهم رؤية تحطم أسطورة  أقوى مانع مائى على مستوى العالم بالأيادى السمراء.

فى هذه الذكرى العظيمة.. تشارك “روزاليوسف” شعب مصر وقراءها الاحتفال بهذا اليوم الخالد.. بملف خاص عن هذا النصر ينشر على مدار أسبوع.. يضم مجموعة من الحوارات واللقاءات والتحقيقات المميزة والتقارير والانفرادات وأسرار هذه الحرب التى لم تتكشف ولم يعلن عنها كاملة.. لتتحقق كلمة السادات التى قالها كأنه يحيا بيننا.. “وربما جاء يوم نجلس فيه معًا.. لا لكى نتفاخر ونتباهى.. ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل.. قصة الكفاح ومشاقه.. ومرارة الهزيمة وآلامها.. وحلاوة النصر وآماله.. نعم سوف يجىء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا فى موقعه.. وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره”.

فى 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصرى، فيما سماه بـ«ـثورة التصحيح»، عُين الفريق سعد الدين محمد الحسينى الشاذلى رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، باعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية، فلم يكن محسوبًا على أى من المتصارعين على الساحة السياسية المصرية آنذاك.

ولكفاءته وقدرته العسكرية.. وخلفيته الغنية التى اكتسبها من دراسته بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى فى العلوم العسكرية، إلى جانب تاريخه العسكرى الثرى، كان اختياره للوصول إلى الهدف المنشود بإحراز نصر أكتوبر، إذ عزف بخبرته العسكرية بوضع بصماته الفعالة فى خطة تحطيم خط بارليف الذى راجت عنه دعاية أنه الخط الذى لا يُقهر بألسنته النارية القوية، فاستطاع أن يحفر اسمه فى سجلات الشرف العسكرى لدرجة أن اسرائيل أطلقت عليه لقب (ديان مصر) لأنه فاق ديان فى الكفاءة العسكرية والقتالية.

قال الفريق الشاذلى فى مذكراته إن كان هذا نتيجة ثقة الرئيس السادات به وبإمكانياته، ولأنه لم يكن الأقدم والمؤهل من الناحية الشكلية لقيادة هذا المنصب، ولكن ثقته فى قدراته جعلته يستدعيه، ويتخطى نحو أربعين لواء أقدم منه فى هذا المنصب.

دخل الفريق الشاذلى فى خلافات مع الفريق أول محمد صادق وزير الحربية آنذاك حول خطة العمليات الخاصة بتحرير سيناء، إذ كان الفريق أول محمد أحمد صادق يرى أن الجيش المصرى يتعين عليه ألا يقوم بأى عملية هجومية إلا إذا وصل إلى مرحلة تفوق على العدو فى المعدات والكفاءة القتالية لجنوده، عندها فقط يمكنه القيام بعملية كاسحة يحرر بها سيناء كلها. وجد الفريق الشاذلى أن هذا الكلام لا يتماشى مع الإمكانيات الفعلية للجيش، ولذلك طالب أن يقوم بعملية هجومية فى حدود إمكانياته، تقضى باسترداد من 10 إلى 12 كم فى عمق سيناء. بنى الفريق الشاذلى رأيه ذلك على أنه من المهم أن تفصل الاستراتيجية الحربية على إمكانياتك وطبقا لإمكانيات العدو. وسأل الشاذلى الفريق أول صادق: هل لديك القوات التى تستطيع أن تنفذ بها خطتك؟، فقال له: لا، فقال له الشاذلي: على أى أساس إذن نضع خطة وليست لدينا الإمكانيات اللازمة لتنفيذها؟

فى أكتوبر 1972 أقال الرئيس السادات الفريق أول محمد أحمد صادق وعين المشير أحمد إسماعيل على وزيراً للحربية والقائد العام للقوات المسلحة، الذى كانت بينه وبين الفريق الشاذلى خلافات قديمة. لقد كانا شخصيتين مختلفتين تماما لا يمكن لهما أن تتفقا. تعود خلافاتهما إلى أيام وجود قوات مصرية ضمن قوات الأمم المتحدة فى الكونغو عام 1960م.

عن الخطة التى وضعها الشاذلى للهجوم على إسرائيل واقتحام قناة السويس التى سماها خطة المآذن العالية يقول: «إن ضعف قواتنا الجوية وضعف إمكاناتنا فى الدفاع الجوى ذاتى الحركة يمنعنا من أن نقوم بعملية هجومية كبيرة.. ولكن فى استطاعتنا أن نقوم بعملية محدودة، بحيث نعبر القناة وندمر خط بارليف ونحتل من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة. كانت فلسفة هذه الخطة تقوم على أن لإسرائيل مقتلين، الأول هو عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرًا لقلة عدد أفرادها، والثانى هو إطالة مدة الحرب، فهى فى كل الحروب السابقة كانت تعتمد على الحروب الخاطفة التى تنتهى خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر؛ لأنها خلال هذه الفترة تقوم بتعبئة 18% من الشعب الإسرائيلى وهذه نسبة عالية جدًّا».
الخطة كان لها بعدان آخران على صعيد حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية.. الهجوم من الأجناب، والدعم الجوى السريع.

فى 6 أكتوبر شن الجيشان المصرى والسورى هجومًا كاسحًا على إسرائيل، بطول الجبهتين، وأرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبًا للقيادة الموحدة للجبهتين التى كان يقودها المشير أحمد إسماعيل على تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس السادات من أحمد إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على سوريا، فأصدر أحمد إسماعيل أوامره بذلك على أن يتم التطوير صباح 12 أكتوبر.

عارض الفريق الشاذلى بشدة أى تطوير خارج نطاق الـ12 كيلو التى تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوى، وأى تقدم خارج المظلة معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلى.

وبناء على أوامر تطوير الهجوم شرقًا هاجمت القوات المصرية فى قطاع الجيش الثالث الميدانى (فى اتجاه السويس) بعدد 2 لواء، هما اللواء الحادى عشر (مشاة ميكانيكي) فى اتجاه ممر الجدى، واللواء الثالث المدرع فى اتجاه ممر متلا. فى قطاع الجيش الثانى الميدانى (اتجاه الإسماعيلية) هاجمت الفرقة 21 المدرعة فى اتجاه منطقة «الطاسة»، وعلى المحور الشمالى لسيناء هاجم اللواء 15 مدرع فى اتجاه «رمانة».

كان الهجوم غير موفق بالمرة كما توقع الشاذلى، وانتهى بفشل التطوير، مع اختلاف رئيسى، هو أن القوات المصرية خسرت 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية فى ساعات معدودات من بدء التطوير للتفوق الجوى الإسرائيلي.

اكتشفت طائرة استطلاع أمريكية لم تستطع الدفاعات الجوية المصرية إسقاطها بسبب سرعتها التى بلغت ثلاث مرات سرعة الصوت وارتفاعها الشاهق وجود ثغرة بين الجيش الثالث فى السويس والجيش الثانى فى الإسماعيلية، وقام الأمريكان بإبلاغ إسرائيل ونجح آرييل شارون قائد إحدى الفرق المدرعة الإسرائيلية بالعبور إلى غرب القناة من الثغرة بين الجيشين الثانى والثالث، عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرّة بقوة محدودة ليلة 16 أكتوبر، وصلت إلى 6 ألوية مدرعة، و3 ألوية مشاة مع يوم 22 أكتوبر. احتل شارون المنطقة ما بين مدينتى الإسماعيلية والسويس، ولم يتمكن من احتلال أى منهما وكبدته القوات المصرية والمقاومة الشعبية خسائر فادحة.

تم تطويق الجيش الثالث بالكامل فى السويس، ووصلت القوات الإسرائيلية إلى طريق السويس القاهرة، ولكنها توقفت لصعوبة الوضع العسكرى بالنسبة لها غرب القناة، خصوصا بعد فشل الجنرال شارون فى الاستيلاء على الإسماعيلية وفشل الجيش الإسرائيلى فى احتلال السويس مما وضع القوات الإسرائيلية غرب القناة فى مأزق صعب وجعلها محاصرة بين الموانع الطبيعية والاستنزاف والقلق من الهجوم المصرى المضاد الوشيك.

فى يوم 17 أكتوبر طالب الفريق الشاذلى بسحب عدد 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب، ليزيد من الخناق على القوات الإسرائيلية الموجودة فى الغرب، والقضاء عليها نهائيًّا، علماً بأن القوات الإسرائيلية يوم 17 أكتوبر كانت لواء مدرع ولواء مظلات فقط وتوقع الفريق الشاذلى عبور لواء إسرائيلى إضافى ليلا، لذا طالب بسحب عدد 4 ألوية مدرعة تحسبا لذلك وأضاف أن قواتنا ستقاتل تحت مظلة الدفاع الجوى وبمساعدة الطيران وهو ما يضمن التفوق الكاسح وسيتم تدمير الثغرة تدميرا نهائيا وكأن عاصفة هبت على الثغرة وقضت عليها (حسب ما وصف الشاذلي)، وهذه الخطة تعتبر من وجهة نظر الشاذلى تطبيقا لمبدأ من مبادئ الحرب الحديثة، وهو «المناورة بالقوات»، علمًا بأن سحب هذه الألوية لن يؤثر مطلقًا على أوضاع الفرق المشاة الخمس المتمركزة فى الشرق.

لكن السادات وأحمد إسماعيل رفضا هذا الأمر بشدة، بدعوى أن الجنود المصريين لديهم عقدة نفسية من عملية الانسحاب للغرب منذ نكسة 1967، وبالتالى رفضا سحب أى قوات من الشرق للغرب، وهنا وصلت الأمور بينهما وبين الشاذلى إلى مرحلة الطلاق وقام السادات بإقصاء الفريق الشاذلى لفترة مؤقتة خلال الحرب وعين المشير محمد عبدالغنى الجمسى بدلاً منه ليقوم بالتعامل مع الثغرة.

يقول المشير محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات أثناء حرب أكتوبر فى مذكراته: «لقد عاصرت الفريق الشاذلى خلال الحرب، وقام بزيارة الجبهة أكثر من مرة، وكان بين القوات فى سيناء فى بعض هذه الزيارات. وأقرر أنه عندما عاد من الجبهة يوم 20 أكتوبر لم يكن منهاراً، كما وصفه الرئيس السادات فى مذكراته (البحث عن الذات ص 348) بعد الحرب. لا أقول ذلك دفاعاً عن الفريق الشاذلى لهدف أو مصلحة، ولا مضاداً للرئيس السادات لهدف أو مصلحة، ولكنها الحقيقة أقولها للتاريخ.»

فى 13 ديسمبر 1973 تم تعيينه سفيراً لمصر فى إنجلترا ثم البرتغال.

عاد الشاذلى عام 1992 إلى مصر بعد 14 عاماً قضاها فى الجزائر، حيث كتب مذكراته، وقال فيها: إنه قد تم منحه نجمة الشرف أثناء عمله كسفير فى إنجلترا من قبل مندوب من الرئيس السادات.

منحه الرئيس محمد مرسى قلادة النيل العظمى لدوره الكبير فى حرب أكتوبر المجيدة فى 3 أكتوبر 2012. وأعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير محمد حسين طنطاوى نجمة سيناء لأسرة الفريق الشاذلى عام 2011 بعد تنحى الرئيس حسنى مبارك بأسبوعين.التى كانت قد سحبت منه، وتم إنشاء طريق كبير للربط بين الطريق الدائرى وطريق مصر الإسماعيلية يحمل اسم محور سعد الشاذلى. الذى رحل يوم 11 فبراير 2011.
الشاذلى فى سطور
الفريق سعد الدين محمد الحسينى الشاذلى
ولد بقرية شبراتنا مركز بسيون فى محافظة الغربية فى دلتا النيل فى 1 أبريل 1922.
التحق بالكلية الحربية فى فبراير 1939 وكان عمره وقتها 17 سنة.
تخرج برتبة ملازم فى يوليو 1940.
انتدب للخدمة فى الحرس الملكى لمدة 6 سنوات من 1943 إلى 1949.
شارك فى حرب فلسطين عام 1948 ضمن سرية ملكية مرسلة من قبل القصر.
انضم إلى الضباط الأحرار عام 1951.
أسس وقاد أول قوات مظلية فى مصر عام 1954.
شارك فى العدوان الثلاثى عام 1956.
قاد أول قوات عربية (قائد كتيبة مصرية) فى الكونغو كجزء من قوات الأمم المتحدة (1960-1961).
ملحق عسكرى فى لندن (1961-1963).
شارك فى حرب اليمن كقائد للواء مشاة بين عامى 1965، 1966.
شكل مجموعة من القوات الخاصة عرفت (بمجموعة الشاذلى) عام 1967
تولى قيادة قوات الصاعقة المصرية من (1967، 1969).
عين قائداً لمنطقة البحر الأحمر العسكرية (1970) (1971) بعد اختراق إسرائيل لتلك المنطقة وأبرز اختراق كان فى حادثة الزعفرانة فى 9 سبتمبر 1969 عين رئيساً لهيئة الأركان الجيش المصرى (1971) (1973).
تم تعيينه أمين عام مساعد جامعة الدول العربية للشئون العسكرية (1971) (1973).
عين سفيراً لدى إنجلترا والبرتغال (1974، 1978).