الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مثقفون يطالبون برحيل وزير الثقافة وتجديد الدماء




كتبت– تغريد الصبان

انتهت فعاليات مؤتمر وزارة الثقافة «ثقافة مصر فى المواجهة» برئاسة شرفية للأديب بهاء طاهر الذى سعى تحت عدد من العناوين والمحاور رغم أهميتها فإنها مستهلكة، وهو ما دعا عددا من المثقفين حاضرى الافتتاح إلى رفض المؤتمر وارتفاع أصواتهم للمطالبة بإقالة د.محمد صابر عرب وزير الثقافة لتسود حالة مضطربة ما بين الرفض للمؤتمر ولسياسة الوزارة التى لازالت «محلك سر» وما بين التفاؤل وتقبل المؤتمر بدعوى أنه ربما يكون خطوة جديدة لإرساء مرحلة جديدة من استرتيجيات وسياسات وزارة الثقافة، فى ضوء هذه الحالة نسأل هل «المؤتمر» هو  لقاء أشخاص مثقفين لا يستطيع أى فرد منهم فعل شيء، يجتمعون ويقررون معا أنه لا يمكن فعل شيء، فيكون المؤتمر!  كما قال الكوميديان الأمريكى فريد آلن من قبل أم أنه بالفعل كان مؤتمرا فعالا وحقق أهدافه ؟ .. الإجابة فى السطور التالية ...
أوضح الناقد الأدبى الدكتور يسرى عبدالله أستاذ الادب الحديث والنقد بجامعة حلوان أحد أشد الرافضين للمؤتمر حتى أن تيار الثقافة الوطنية وهو أحد مؤسسيه قد أصدر بيانا شديد اللهجة بل وقاسى تنديدا بمؤتمر «ثقافة مصر فى المواجهة، قائلا:  ثمة عوارفى المشهد الراهن، يمكن تلمسه فى ذلك الأداء الباهت لوزارة الثقافة والتى كانت المتخلف الوحيد عن المعركة ضد جحافل التتر من المتطرفين والإرهابيين، مع أن مواجهة التطرف تبدأ بالأساس من هناك، فأنماط التفكير الرجعية الماضوية تحتاج نزوعا طليعيا تقدميا لمواجهتها، وتفنيد حججها الساذجة، وصوغ طريق أكثرمواعدة لأفق مصرى جديد، يؤمن بالتنوع، وثقافة الاختلاف، ويمجد قيم التقدم والحداثة والاستنارة والإبداع بوصفها قيما أصيلة فى تقدم الأمم والشعوب. يجب أن نكرس وباختصار- لثقافة السؤال، والتفكير الخلاق، وكل أطر المجاوزة والتخطي، ومغادرة مناطق الجبن العقلي، والسكونية، والثبات.
 لكن ما يحدث الآن يؤكد على أن الثقافة لا تزال تحيا فى ظل أجواء كرنفالية، تسعى إلى الشو الإعلامى أكثر مما تسعى إلى تخليق عالم أكثر حرية وجمالا وإنسانية، لقد غابت الثقافة الرسمية منذ البداية  - وللأسف الشديد- عن مشهد الثورة الباكر فى الخامس والعشرين من يناير2011، هذا الغياب الذى يتعمق خطره الآن بعد ثورة الثلاثين من يونيو2013، ففى اللحظة التى تواجه فيها الدولة المصرية أفكارا ماضوية تعيسة، تنتمى إلى قرون بائدة، وتصورات خارج اللحظة والتاريخ، تصنع الثقافة فى زيها الرسمى البليد رطانا فارغا إما عبر نخب هزيلة متحالفة مع الموقف الأمريكى الاستعماري، أو نخب رجعية بالأساس، تقتات على كل الموائد، وكلاهما مثقفو الاستعمار، ومثقفو الرجعية لا يدركون معنى الأوطان ولا يعرفون قيمتها. وفى هذا السياق الآسن يغيب الصوت الثقافى الرسمى تماما عن واقع المصريين، مثلما غاب من قبل مرارا وتكرارا، فلم نر مثلا- قوافل ثقافية تخرج إلى القرى والنجوع والكفور المصرية، لتروى عطش الظامئين إلى ثقافة مختلفة، ومتجددة، ترفع- وباختصار- حال العتامة التى خلفتها التيارات المتأسلمة برجعيتها وتخلفها المزري، فالسياسات الثقافية لم تزل كما هي، والوجوه الرسمية شاخت فى مواقعها بوصفها تملك حضورا سرمديا عابرا للأزمنة!! فوزير الثقافة نفسه عمل مع كل الأنظمة التى تعاقبت على حكم مصر، حيث عمل مع مبارك، ومع المجلس العسكري، ومع نظام الإخوان الأكثر رجعية وتخلفا فى مفارقة بالغة الدلالة والأسي!، وهكذا الحال مع معاونيه ورؤساء هيئاته المختلفة. ووصلت الاستهانة بعقول المصريين نخبا وجماهير أن أحد الذين شاركوا فى الإعداد لمؤتمر صابر عرب ورفاقه: «ثقافة مصر فى المواجهة» قدم كتابا أيام حكم الإخون الفاشيين لمنظر الإرهاب الأول فى العالم وقطب الرجعية والتطرف الشيخ الإخوانى سيد قطب، واعتبره رواية مهمة، بما يعنى أن التحالف القذر والمشبوه بين الفساد والرجعية لا يزال قائما، ومن المفارقات المضحكة أيضا أن ناشر هذا العمل البائس هو الهيئة المصرية العامة للكتاب والتى يرأسها رجل كل العصور أحمد مجاهد.
أما المفارقة الحقة فتتمثل فى أنه وبعد سنوات من الوهم الذى باعه عدد من مثقفى نظام مبارك القمعى حول فكرة التنوير، نكتشف نحن وبعد أكثر من عشرين عاما على حقبة التسعينيات المؤلمة أن بؤر الإرهاب والتطرف والذهنيات الماضوية تنتشر فى مصر، وكأن ما كان من أمر التنويرمدفوع الأجر أشبه بـ «الكامو فلاش» فى لغة التصوير، فلو كان وباختصار هناك تنوير حقيقى لما وقعنا فى براثن الإرهاب والتطرف، ولما وصل مرسى العياط بجماعته الرجعية إلى حكم البلاد يوما ما، وفى غفلة من الزمن. نريد تنويرا حقيقيا لا زائفا، ابن الخيال الجديد، والنخب الطليعية التقدمية، والنظر المختلف للعالم والأشياء. لا تنوير الكهنة، والمزيفين أبناء كل الأنظمة، وكل السياقات!
وفى سياق متصل يقول الشاعر شريف رزق وهو أحد الموقعين على بيان تيار الثقافة الوطنية قائلا: أرى أن جزءا من الأزمة فى الدكتور صابر وإلى جانبه أطراف أخرى يكملونها أهمهم الدكتور أحمد مجاهد والدكتور سعيد توفيق وإلى جانبهم مجموعة من الحرافيش الذين يعملون معهم، للأسف أن هذه الأزمة قد تراجعت بالثقافة المصرية بشكل كبير وخطوات عديدة، فهؤلاء الأشخاص يدعون أنهم يعملون مع الثورة ومن أجلها! بينما الثورة قامت من أجلهم هم! ... فإننى أتساءل ما هو الرصيد الثقافى والعلمى لمجاهد أو سعيد توفيق أو صابر عرب شخصيا حتى يتولى حقيبة الثقافة للمرة الثالثة؟! .. أيضا هذا المؤتمر المنصرم لا علاقة له مطلقا بثقافة مصر ولا بالمواجهة التى تحدثوا عنها، فمن الذين يواجهون؟ .. أين ثقافة المواجهة التى تبنتها الثقافة الجماهيرية للثقافة المصرية أو ورشة الزيتون التى تحدثوا عنها فى أبحاثهم؟ .. الرموز المتبنية لفكرة «المواجهة» هم أكثر سماسرة وانتهازيين وأكثر أشخاصاً محسوبين على الثقافة بينما هم فى الحقيقة الأكثر عداء للثقافة! .. لأنهم يقزمون دور مصر الثقافى المصرى بالفعل ويستنزفون الثقافة المصرية والإبداع الحقيقي.
عن البديل الذى يطرحه رزق فى ظل المطالبات المختلفة ما بين إقالة قيادات الوزارة أو إلغاء وزارة الثقافة برمتها أو الاتجاه أكثر والاهتمام بالمؤسسات الثقافية الأهلية يقول: أنا مع تطهير وزارة الثقافة من المسئولين الذين يفسدونها طوال الوقت، فلقد أطاح سعيد توفيق مؤخرا بلجنة الشعر ليعيد مرة أخرى أحمد عبدالمعطى حجازى ومجموعته مع الإبقاء على بعض من اصدقائهم ممن كانوا باللجنة السابقة، وهى اللجنة الوحيدة التى تعامل معها بهذا الشكل، والمفارقة أن سعيد توفيق لم يشكل اللجنة مباشرة بل دعا الدكتور محمد عبدالمطلب لتشكيلها فى الوقت الذى تتشكل فيه اللجنة بالانتخاب ! وقانونا أن الدورة لازالت مستمرة بالتالى قانونا لايزال الشاعر ماجد يوسف هو مقرر لجنة الشعر! .. هذا نموذج من الفساد المستمر بالوزارة الذى يؤكد دوما على أن العلاقات الشخصية هى التى تحكم السياسة الثقافية المصرية بشكل مستفز، فهؤلاء توقفوا عند عقود مضت وانتهت بينما الشعر أصبح فى واد آخر بتقنيات وافكار جديدة لايعلمون شيئا عنها، فالأعلى للثقافة بحاجة للتطهير من مسئوليه والتطوير لسياساته الثقافية الحالية، فأن يكون سعيد توفيق على رأس الاعلى للثقافة هو جريمة كبرى، فكل هذه المؤتمرات أراها فى إطار «الدعارة الثقافية» وإهدار للمال العام وإهدار لسمعة مصر الثقافية والإبداعية.
يكمل رزق قائلا: لن تكون البلطجة يوما هى السبيل للوصول للمصالح، فاعتصام المثقفين بوزارة الثقافة لطرد الوزير الإخوانى ليس إلا نوعا من البلطجة لتحقيق مصالح شخصية وليس خوفا على الثقافة والهوية المصرية، فلدينا إمكانيات كبيرة لا تستغل ولا تستثمر، فحين كانت الإمكانيات ضعيفة كان لدينا مفكرون كبار حقيقيين أضافوا لرصيد مصر الثقافي، فالأمل فى المثقفين ليواجهوا الفاسدين ويلفظوهم، وأن يكون لهم دور فى اختيارات القيادات التى تستطيع أن تطور وتؤكد على الثقافة المصرية ودورها الحضاري، بعيدا عن منطق العلاقات الشخصية واستبدال الشلة القديمة بالشلة الجديدة.
فى سياق مختلف يحاول أن يقرأ نقاطا إيجابية بالمؤتمر يقول الأديب أحمد أبوخنيجر: ببساطة السؤال المعكوس عن ماهية وكيفية تصورنا عن الدولة المدنية وهو ما طرحته فى كلمتى بالمؤتمر، فى ضوء هوية الدولة المدنية التى نفكر فيها سنبدأ نفكر فى شكل السياسة الثقافية التى نريدها، فسؤال ثقافة المواجهة هو سابق لآوانه لأننا لسنا فى لحظة مواجهة، بل الثقافة الآن هى فى لحظة كينونة أى تكون أو لا تكون، ففكرة المواجهة غير واضحة فما الذى ستواجهه وكيف؟ ليست الأسئلة الآنية، فالمؤتمر فى ظنى يطرح إعادة تقييم دور المؤسسات الثقافية وفعلها خلال السنوات الماضية وما الذى اوصلتنا إليه، فالمسألة هى تشخيص وإعادة طرح للحلول، أو تصورات مستقبلية لتحرك وزارة الثقافة بشكل مختلف عن تحركاتها السابقة، فى هذا الإطار دارت العديد من المناقشات والأطروحات عبر الندوات والجلسات، ولدى تحفظات على بعض الأشياء التى ربما لكم تكن موفقة، أيضا كان من المهم التعرض لوضعية المؤسسات الثقافية المستقلة التى لابد من بروتوكول تعاون معها واستثمار نجاحات عروضها الفنية والمسرحية والسينيمائية، فطرح سؤال وزارة الثقافة فى اعتقادى هو طرح لسؤال كيف نشأت وزارة الثقافة فى الأصل؟! .. التى كانت وزارة الإرشاد القومى التى أنشأها العسكريين لهدف أمني، فالأمن هو المسيطر حتى الآن والأمن هو الذى يدير الثقافة!ّ فالمثقف فى نظرهم هو منفلت ولا يمكن استقراء ما يفكر فيه أو ما سيفعله وفى الوقت نفسه لن يستطيعوا حبسه ولا التضييق عليه لذا كان البديل هو فى الأماكن اللطيفة المتمثلة فى بيوت الثقافة وقصورها يعقد دوراته ويقول ما يريده ورويدا رويدا يتم عزله عن الناس والمجتمع، ويصبح المثقف صاحب نشاط معزول، وهو ما حدث بالفعل!
يكمل أبوخنيجر: أحيانا لا يعى المثقف هذه الأزمة الفخاخ التى وقع فيها، فالسؤال الآن هل سيستمر هذا الوضع والسيطرة الأمنية على الثقافة والمثقفين؟ هل سنظل منتظرين إذن الأمن لإقامة ندوة بالشارع؟ هذه هى الأسئلة الشائكة التى لا يتعرض لها أحد، وهذا هو صلب وزارة الثقافة التى أطلق عليها فيما بعد «الحظيرة» ومسميات أخرى وهى ليست مهمة الآن بقدر أهمية رفع هذا الغطاء، فكل قطاعات الوزارة تنشر كتبا مكدسة فى المخازن، الحل البسيط هو إتاحتها للناس عبر بيوت الثقافة المنتشرة بكل بقاع المحروسة، المسرح لماذا لا تخرج العروض للشارع بتكاليف قليلة، أنا فى الحقيقة مندهش من مهاجمة المؤتمر والوضع الأمنى للوزارة ! فلماذا لا نتجمع كمثقفين لفرض رؤيتنا الثقافية وإطاحة الأمن المسيطر وكسر فكرة المركزية على الوزارة بدلا من الهجوم الذى لن يغير من الأمر شىء، إضافة إلى طرح أسماء من بيننا تقوم بهذه المهمة وتطوير سياسات الوزارة لتكون الثقافة متاحة للجميع، كذلك التعاون مع وزارة الإعلام لنشر الثقافة بشكل مختلف وجديد يقبل عليه الناس.