
كمال عامر
صناعة البسمة.. وقتل الفرحة!
بالفعل هناك الكثير من الأشياء لا ندرك قيمتها.. قد يكون هذا ناتجاً من ضوضاء الحياة وسرقة سنوات العمر والمشاحنات اليومية، والخلافات وتوتر الأعصاب.. وإهمال جانب من الحياة له مبرراته.. لكن الشجاعة تقتضى الاعتراف بالخطأ قبل فوات الأوان.
أثناء تنقلى بين الأدوار فوجئت بالمدير العام للمؤسسة المهندس عبدالصادق الشوربجى يقول لى: «رايح فين؟» قلت الكمبيوتر لمتابعة الصفحات قال تعالى معى.. وجدت نفسى وأمامى أكثر من خمسين من العمال من إدارات المؤسسة فى دائرة حول منضدة وأطباق جاتوه وبسبوسة.. ودققت النظر إذ أدركت أنها حفل وفرحة وهدايا علمت أنها حفل مخصصة لأحد الزملاء بالمطابع وهو الزميل عاكف عبدالعليم بمناسبة خروجه للمعاش.
كلمة من كل زميل لتحية الصديق المغادر إلى الحياة الجديدة.. المدير العام للمؤسسة عبدالصادق الشوربجى رحب بالموقف وأشاد بعاكف وتاريخه وعلاقته الجميلة بالمؤسسة.. وجدت نفسى مطالباً بكلمة فى تلك اللحظة رجعت بالذاكرة العمال البسطاء عملوها.. والصحفيون نسيوها وأهملوها.
العمال أصروا أن يكونوا مع زميل لهم حتى آخر ساعة عمل فى تاريخه الوظيفى.. تسابقوا إلى تكريمه.. كل واحد منهم دفع مساهمة مالية بسيطة القيمة لكنها كبيرة المعنى والمغزى.. وضعت نفسى مكان عاكف: وتخليت حفل خروجى للمعاش وزملائى نظموا لى حفلاً وتسابقوا فى الإشادة بى.. واستيقظت على طلب من المدير العام: يا عم كمال قول كلمة.. وبدأت أقول: لم أتماسك.. دموعى تنساب.
السبب هو سؤال جاء فى خاطرى: لماذا فعلها العمال وقرروا دعم زميل لهم وصل لسن المعاش فى نفس الوقت لم أسمع خلال خمسة وثلاثين عامًا بأن صحفيًا بالمؤسسة وصل لسن المعاش وقد تم تنظيم حفل تكريم له.. لم أتذكر دعوة من صديق لنا مثلاً لنتحمل تنظيم حفل.. المشهد مؤلم.. عندما يصل الصحفى لسن المعاش فى «روزاليوسف» لا أحد يهتم إلا شئون العاملين فقط، وكأن سنوات الصداقة والزمالة والجيرة هباء وعبثية.. دموعى أيقظتنى مرة أخرى وكان السؤال بداخلى: هل الزميل الصحفى بمؤسسة روزاليوسف الذى انتهت خدمته لا يستحق أن ننظم له حفلاً بسيطاً على الأقل يسمع خلاله كلمة طيبة من هنا أو هناك وهى آخر مشهد له فى المؤسسة.
وسألت: لماذا هذا الجحود وعدم المبالاة والاكتراث تجاه زميل أو صديق صحفى خدم عمره لمكان عمله لماذا أهمل الصحفيون فى روزاليوسف تكريم الأصدقاء والزملاء ممن وصلوا لسن المعاش؟!
إنه بالقطع ليس بخلاً.. لكنه سوء تقدير.. مشاغل.. إهمال.. عدم اهتمام.. وبعد أن رأيت الصورة الجميلة لعمال روزاليوسف وهم يكرمون عاكف.. شعرت بالغيرة من العمال والغضب من زملائى الصحفيين.. إهمال تكريم الزملاء السابقين أراه جريمة أنا مشارك فيها، لم أتمالك نفسى من التفكير فى الصورة الرائعة لعمال روزاليوسف من أول شخص يحرس بوابة ويوفر لى الأمن حتى آخر عامل تليفون يضع لى التواصل مع الآخرين عبر حرارة التليفون مرورًا بعامل البوفيه والزملاء وراء ماكينات القص والطباعة والتجليد والجودة وغيرهم هم الأسرة الكبيرة لى ولغيرى لأى شخص يقضى بينهم على الأقل ثمانى ساعات يوميًا.. لا أعلم كيف أتقدم بالشكر لمن قام بتنظيم حفل عاكف سواء ساهم أو دعى إليه فقد قدم هؤلاء لى درسًا لم أستوعبه حتى الآن.. أشعر بالذنب بشأن عدم تنظيم حفل مماثل لمن وصل لسن المعاش من الصحفيين أسوة بالعمال والموظفين.. درس قاس جدًا.. لكن اعترف بالخطأ.. وتحمل المسئولية الأكبر.
شكرًا للعاملين فى مطابع روزاليوسف لقد تفهمت وتعلمت منهم درساً عن كيف تضع بسمة على وجه شخص فى حاجة ضرورية إليها، وأيضًا تعلمت أن أعترف بخطى وأمام الجميع دموعى جاءت تعبيرًا عن ألمى تجاه الزملاء الأعزاء الصحفيين الذين وصلوا لسن المعاش ولم يهتم بهم الأصدقاء والزملاء على الأقل بتنظيم حفل.. بخلنا عليهم حتى بكلمة.
[email protected]