
كمال عامر
مصر ورسائل إسرائيل!
بعثت إسرائيل إلي مصر والمصريين رسالة مشفرة لتنشيط ذاكرة المصريين والعرب عندما قصفت مصنعا لصناعة الذخيرة والأسلحة بالسودان.
إسرائيل من خلال قصف المصنع السوداني أرادت أن تقول لنا: إن ذراع الطيران الإسرائيلي مازالت طويلة، ويمكنها أن تجفف كل مصادر التهديد للدولة العبرية في أي مكان، مثلما وصلت إلي تونس واغتيال أبوجهاد.. في المقابل جددت إسرائيل لنا الاتهامات التي كدنا أن ننساها في ظل المشاحنات السياسية في الشارع المصري وانحسار الاهتمام بالأخطار الخارجية علي الأقل من جانب المواطنين.. وهي إنها دولة معتدية لا تحترم أي قوانين دولية.. الأهم أن العالم وقف مستسلما للعدوان الإسرائيلي علي سيادة دولة عربية.. وكأنه يمنحها الضوء الأخضر في كونها شرطي المنطقة وهو ما أعاد لنا الذاكرة بشأن التأييد العالمي الأعمي لإسرائيل.
■ الرسالة الإسرائيلية وصلت.. والصمت العالمي أنعش ذاكرة المصريين.. ولكن الرد علي الرسالة الإسرائيلية من جانب المصريين يؤكد أن انقسام الشارع المصري وانشغاله بترتيب البيت الداخلي سياسيا واقتصاديا لم ولن يجئ علي حساب ثوابت واضحة.. الموقف يؤكد أن كل المصريين - الآن - في حاجة إلي «عدو» واضح علي الأقل ليتركوا الاختلاف حول القضايا الداخلية ويتفرغوا له.. وأعتقد أن أي تحرك إسرائيلي تجاه مصر بأي شكل من الأشكال كافٍ لتوحيد الشارع المصري.. ضد الدولة العبرية وهناك 86 مليون مصري تحت علم واحد وهدف واحد سيقومون وقتها بالانتقام من كل الممارسات الإسرائيلية ضد العرب والمسلمين ووقتها لن تستطيع أمريكا أن تحمي إسرائيل كما يحدث دائما.. علي الدولة العبرية أن تنتبه إلي أن غضب المصريين - والآن - مختلف وعليها أن تكف من امتحان مصر والمصريين.
■ المصريون لديهم رغبة في القتال بكل الطرق والدفاع عن أرضهم.. الأجيال الحالية لم تشاهد حرب أكتوبر إلا من خلال الوثائق.. وهي في صراع ولديها رغبة في اثبات قدرتها علي الحرب والانتصار كما فعل الآباء والأجداد في 1973.
وإسرائيل هي الخاسرة وعلي خطأ لو اعتقدت أن لها مكانة خاصة عند فصيل سياسي أو بعض وجهاء الحكم أو المتأمركين المصريين.. لن يستطيع أي من هؤلاء مجرد الإعلان عن هويتهم لو نشب صراع مع إسرائيل.
أنا أتعجب أيضا من الحكام العرب.. والذين يقودون اشعال الخلافات وحتي الذين يعملون علي اطفاء الحرائق السياسية.. لم أسمع منهم رداً علي الغارة الإسرائيلية ضد السودان الشقيق وكأن السودان دولة في الكاريبي.. حتي الذين شجبوا.. عملوها علي استحياء!
اللعبة السياسية الآن واضحة.. مصر مشغولة بمشاكلها.. وهناك من يحاول تكريس هذا المفهوم علي الأقل لتخرج من اللعبة السياسية الدولية وتكتفي بتوجيه كل طاقاتها نحو الداخل والرابح هنا إسرائيل وأمريكا والغرب الذي يسعده تماماً اختفاء مصر من الخريطة السياسية العالمية.. ومع الأسف يزيد من هذا التوجه مجموعة مصرية مدربة علي تكريس الانقسام.
ولو استمر هذا الحال سنجد إسرائيل تضرب ليبيا بحجة أن هناك تهديدا قادما منها لضرب حيفا.. وبعدها ستختار أهدافا منتقاة بلبنان.. ثم سوريا ثم ما المانع من أن تمتد ذراع إسرائيل بعد ذلك إلي السعودية والكويت وغيرهما.
إذا الجميع يعلم السيناريو خاصة حكماء العرب.. وعلي إسرائيل أن تدرك أن هناك فارقا بين السلام والاستسلام.. وأن حرب 73 قطعت ذراع إسرائيل الطويلة وأعتقد أن رسالتها المشفرة إلي مصر قيادة وشعبا عندما ضربت بالسودان مصنعا للأسلحة مفهومة والرد أن كل مصري مهما كان توجهه أو قناعاته سيتحول إلي قنبلة ضد أي اطماع يحملها عدو لنا مهما كان فاحذروا غضب المصريين ولن يحمي إسرائيل مسئول بمصر مهما كان صديقاً أو عزيزاً!
وعلي قادة الدولة العبرية الانتباه ودراسة المزاج المصري.. أمريكا لن تضحك علينا ولن تنجح في حماية إسرائيل فيما لو فكرت في الاحتكاك بمصر.. والإخوان المسلمون بدورهم لن يلزموا الحياد حتي لو كانت لهم علاقة مميزة مع الأمريكان.. الخريطة وقت الحرب تتبدل وتختلف عما هي الآن.