
كمال عامر
مصر والسعودية والخليج
قال لى أحد الأصدقاء: لماذا لم تقدم المملكة العربية السعودية على مساعدة مصر مثلما تفعل قطر؟ وهل هناك شىء ما يعكر صفو تلك العلاقة؟
كان ردى: لم تعد الدول بشكل عام ومنها العربية تدفع إعانات أو مساعدات مباشرة، لأن حركة الأموال أصبحت مراقبة شعبيًا أكثر من الرقابة السياسية.. السعودية على طوال تاريخها دولة هادئة التفكير.. مستقرة فى القرارات وهى غير متقلبة.. لكن الطرف الثانى عادة ما يكون التقلبات من جانبه.
السعودية ــ الآن ــ شأنها والإمارات والكويت وغيرها.. دول تبحث عن الاستقرار للعالم العربى.. ومصر ــ الآن ــ تتعرض لأزمات.. ودول الخليج تتعامل بحذر مع أحداث مصر.. خوفًا من غضب تيار أو حزب.. وهى تدرك ــ الآن ــ أن عودة الاستقرار لمصر هو بداية للدخول بقوة لتقديم المساعدات.
السعودية لم تشترط على مصر ــ طوالتاريخها ــ مقابلاً لمساعدة أو لعلاقات اقتصادية متميزة وأعتقد أن الإخوان المسلمين يدركون أن المملكة لا تنجرف إلى أى خطوة لتمزيق مصر وهى حتى فى حالة الغضب تلتزم الصمت.
السعوديون بدورهم خاصة الحكام فى طليعة المساندين للدولة المصرية.. هكذا يقول لنا التاريخ ولا يمكن بأى حال من الأحوال تصنيف الترقب السعودى للمشهد بأنه تراجع.. بل أراه حذرًا مقصودًا!!
من جانبها تحاول الحكومة المصرية ــ الحالية ــ والمؤسسة الحاكمة فى السعى لإغضاب الخليج بما فيه السعودية والخطوة تجاه إيران من جانب الرئيس مرسى أهدافها المعلنة عودة إيران إلى مصر أو العكس.. لكنها خطوة اعتبرها المراقبون محاولة لكسر الطوق السنى والعالمى المضروب حول إيران والشيعة.. وهى طوق نجاة للنظام الإيرانى.. وهذه الخطوة قد لجأ إليها الرئيس مرسى بعد الحصار الاقتصادى العالمى لمصر.. لكن النتائج تؤكد أن تلك الخطوة أغضبت الخليج والسعودية تحديدًا.
أيضًا لعب دورًا فى المشهد العلاقة المتميزة للرئيس السابق مبارك مع الدول الخليجية بدون شك أن مواقف مبارك بشأن احتلال الكويت وغيرها من الأمور المهمة بالنسبة للتاريخ العربى ودول الخليج.
ومن اللافت أن الثورة المصرية وكأنها جاءت تنتقم من رجال الأعمال العرب الحاملين لجنسية دول الخليج.. هذا الأمر والوعود التى قطعها الرئيس مرسى ود.هشام قنديل ووزير الاستثمار لحل تلك المشاكل.
السعودية مثلها مثل دول الخليج الأخرى تراقب الأحداث فى مصر.. وتنتظر!
العالم أيضًا ينتظر خطوة مرسى فى طريق لم الشمل وإزالة احتقان الشارع واحتواء المعارضة وهو ما تسعى إليه أوروبا وأمريكا والدول العربية.. ومن المؤسف أن المعارضين للإخوان يرون أن أى مساعدات للنظام الحالى هى اعتراف بانشقاق الشارع وترسيخ هذا الانقسام.
أخشى أن التقارب مع قطر قد يدفع البعض لاصطناع مشاكل فى منطقةأخرى لتخفيف الضغط.
كما قلت.. دول الخليج هى الأقرب لمصر والمصريين.. وهى بالفعل تمثل أمنًا قوميًا لمصر والعكس أيضًا.. مصر الشقيقة الكبرى التى لا يمكن أن يستغنى عنها العرب.. وعلى الرئيس مرسى تدارك المواقف وإذابة الجليد مع دول الخليج.. مصر لن تبنيها قطر وحدها.. لأن ما قدمته لمصر مشكورة جزء بسيط.. هى فى حاجة إلى كل الدول العربية.. ليس مساعدات أو شراء سندات بفائدة.. بل لعودة رجال الأعمال للاستثمار فى مشروعات بمصر.
الاقتصاد المصرى فى حاجة إلى استثمارات عربية لرجال الأعمال.. الحكومات الآن لا تستثمر بل تمنح قروضًا فقط.
لو كنت من الرئيس مرسى لبدأت فى إعادة النظر فى الخطوات المقلقة للخليج.. إيران لن تكون شريكًا لمصر.. هى شريك للعراق الشيعى.. وبالتالى السعودية أو الإمارات والكويت دول عربية يمكنها أن تساعد بمنح الضوء الأخضر لرجال الأعمال للعودة والاستثمار فى مصر.
غلق الملفات القديمة والموروثة أمر مهم.. ضد دول الخليج.. الخاسر هنا المواطن المصرى والذى وعده الرئيس مرسى بالمزيد من الرفاهية والعدل والحرية والديمقراطية.. والنتيجة الحالية أن الفقير أصبح أكثر فقرًا.. والمستور يستعد لمد يده.. هى أمور لا تليق مع حكم الإخوان.. العالم كله يدقق فى التجربة المصرية.. وهو إما أن يخنقها أو يمنحها ضوءًا لتصل للأردن وسوريا وليبيا والجزائر.. والأمر فى يد الإخوان لا غيرهم.. المشروع الإسلامى كله ــ كما يزعمون ــ تحت المجهر.. وهم المسئول الأول عن كيفية تعامل العالم مع هذا المشهد الحالى بمعنى أدق.. النجاح أو الفشل للتجربة الإسلامية فى مصر أمر يرجع إلى مرسى والإخوان وليس غيرهم.. وأعتقد أن بداية الحل تقاسم السلطة مع الداخل.. وإذابة الجليد غير المرئى مع الخارج، وإعادة الحياة للعلاقة المصرية ــ العربية لتعود لحرارتها المعتادة.. أكرر السعودية، الإمارات والكويت دول عربية شقيقة نحن فى حاجة إليها.. كما هى فى حاجة إلينا.
[email protected]