الخميس 2 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الانتحار السياسى

الانتحار السياسى









 
 
 
من الانصاف الاعتراف بأن أحدا لم يكن ينتظر جديدا فى خطاب الرئيس مرسى من حيث المضمون أو المفردات قياسا على الخطابات السابقة، بل بعضنا تمنى أن يمتنع الرئيس عن التحدث  فى هذه اللحظات الحرجة من الغضب الشعبى حتى لا ترتفع حدة الغضب والاحتقان ويغلق آخر باب للأمل فى حل توافقى يخرج بالبلاد من نقطة الانفجار المنتظرة  يوم ٣٠ يونيه، لكن الرئيس د.مرسى تحدث ونجح بامتياز فى تفجير الموقف  واستدعى مواجهة حتمية عنيفة أصبحت قاب قوسين أو دنى.
غابت عن الرئيس مرسى - وهو ذاهب إلى إلقاء خطابه فى قاعة المؤتمرات - القراءة الحقيقية لمشهد طوابير محطات البنزين مرجعا اياها إلى محاولات ضبط سوق الوقود طالبا من الناس الصبر، بينما يأتى الوقود فى آخر سلسلة الاحتياجات اليومية الحياتية البسيطة من سلع غذائية ضرورية اشتعلت أسعارها إلى حدود فاقت كل احتمال، كمؤشر حقيقى على تدنى الأحوال المعيشية تحت ضغط الاسعار، فالناس لا تأكل بنزين أو سولار «الدولار بـ٧ جنيهات»، وإنما واقع الأمر يؤكد الفشل المطلق لكل السياسات و البرامج الحكومية التى تستهدف رفع المعاناة الاقتصادية عن كاهل الأسر المصرية، وأن طوابير البنزين ليست سوى انعكاس طبيعى لحجم هذا الفشل.
وفى اللحظة  التى ساق  فيها الرئيس مرسى عدد الاحتجاجات والمليونيات  خلال سنة من رئاسته، وبما اعتبره خطة إفشال لا نعرف ممن، اخفى الرئيس السبب الحقيقى لهذا الكم الهائل من الفعل الاحتجاجى الذى لم يكن سوى رد فعل طبيعى لسياسات الرئيس الإقصائية وانحيازاته لأهله وعشيرته وسلوك «رجالته» فى جماعة إخوان، وإعلانه الدستورى الفاشى، ودستوره المشبوه غير التوافقى.
وعندما أصبح على الرئيس التعاطى مع الحركة الشبابية الاحتجاجية التى نجحت فى لم القطاع الأكبر من الشعب المصرى بمختلف فئاته وطبقاته تحت عنوان «تمرد» ولها مطالب محددة وبتوقيعات موثقة، اختزل د مرسى حركتها وطاقتها ورغبتها فى التغيير فى أنها لم تأخذ نصيبها من مناصب الثورة، وخاطب الشباب المحتشد فى الميادين بخطاب الرشوة الوظيفية بالتعيين مساعدين للوزراء والمحافظين.
بل حتى هذه الوظائف حددها الرئيس فى الشباب الملتحق بمعسكرات وزير الشباب الإخوانى وقد اقتربوا من مليون شاب، وبالطبع مفهوم وظيفة هذه المعسكرات ومنهجها وتلقيناتها الفكرية والعقائدية والسياسية كظهير مؤكد للأهل والعشيرة والجماعة على خط المواجهات المتوقعة مع القوى الشبابية الأخرى.
اختصم الرئيس قوى المعارضة و هددها ولم يرد الاعتراف بأن المشهد الجماهيرى قد تخطى بكثير مفردات قوى المعارضة التى أصبحت بكل المقاييس تابعا للشارع يوجهها ويحدد خطابها ومطالبها وليست قائدة له تحركه وتحدد خطواته، مستندا إلى قاعدة الأغلبية والأقلية، متجاهلا حصوله على المنصب المرموق بأغلبية طفيفة لا تتجاوز 1.5 ٪ من الناخبين، وفى التصنيف هى اغلبية غير مريحة لا تعطى الحق المطلق للرئيس فى اتخاذ القرارات المصيرية دون توافق وطنى، وفى هذا السياق كان على الرئيس عندما يقول «إن المعارضة بالرأى لا تعنى فرض الرأى» أن يكمل جملته فى صياغتها الديمقراطية الصحيحة قائلا: «وإن انفراد الأغلبية بالرأى لا يعنى تسلطها على الرأى».
ورط الرئيس مرسى نفسه بما لا يليق بالمنصب الرئاسى المرموق كرئيس لأكبر دولة محورية فى الأقليم والعالم، دولة مصر، وأصبح عليه أن يواجه ملاحقات قانونية فى قضايا سب وقذف فى حق أشخاص من مواطنيه محصنين بحقوق دستورية بما لم يكن له سابقة فى التاريخ المصرى المعروف، وأصبح عليه أن يؤدى استحقاقاتها اجرائياً وتنفيذياً.
كما قلت لم نكن نتوقع إضافة من الرئيس مرسى فى خطابه التاريخى ترفع حالة الاستقطاب والاحتقان بما يبتعد خطوة واحدة عن نقطة الانفجار المتوقعة فى ٣٠ يونيو، لكننا أبدا لم نتوقع أن يصل الرئيس إلى مربع الانتحار السياسى.