السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رمضان كريم عليك وعلى مصر

رمضان كريم عليك وعلى مصر






كل سنة وأنت طيب، ورمضان كريم عليك وعلى حبايبك وعلى مصر كلها بإذن الله.
رمضان كريم فعلاً لكننا نحن البشر لم نعد «كرماء»، لم تتغير طقوس وعادات وتقاليد رمضان لكن نحن الذين تغيرنا، كما تغيرت الدنيا كلها من حولنا.
وأظن أن رمضان زمان والذى عشته على الأقل - رغم قلة الإمكانيات المادية لغالبية الأسر المصرية - كان له طعم أجمل.
أبناء هذا الجيل - أبناء التواصل الاجتماعى والنت والآى باد - لم يعيشوا أو يعاصروا تلك الأمسيات الرمضانية الرائعة.
أحكى لكم عن شهر رمضان الذى عشته طفلاً - فى محافظتى بنى سويف - كان أقصى وأكبر ما يحلم به جيلى هو الفانوس أبو شمعة، حيث نجتمع بعد مدفع الإفطار بساعة تقريبًا ونجوب الشارع الذى نسكن فيه فرحين مهللين.. بكل الأدب والاحترام، وإذا حدث منا بعض الدوشة أو الزيطة قام من ينبهنا إلى تلك الزيطة فنعتذر على الفور!!
عقب مدفع الإفطار كان رجال الحى يجتمعون يوميًا ويجلسون أمام البيت، حيث يتم كنس الشارع ورشه حتى يصبح مثل «البرلنت» ويتبادلون الأحاديث والذكريات والحكايات، وكنا نحن الأطفال إذا ما زهقنا من اللعب والتجوال ننضم إلى هذه «القعدة» نستمع لحكايات ونوادر كان أغلبها يترحم على أيام زمان وأسعار زمان من البيض والفراخ إلى اللحوم ومن الكنافة إلى القطايف!! ثم ينحرف الحديث فجأة إلى أخلاق الناس التى تغيرت، وأنهم لم يعودوا يسألوا  على بعض كما كان يفعل الأجداد!!
 ثم ينصب الحديث إلى التليفزيون - وكان ذلك زمن الأبيض والأسود - وكيف أنه سرق الوقت من الناس ولم يعودوا يجدوا الوقت الكافى للقراءة!! وكيف يقرأ الناس وقد أصبحت أسعار الصحف نار.. فسعر الجريدة قرشان صاغ!! سواء كانت الأهرام أو الأخبار أو أخبار اليوم أو الجمهورية.
وابتكر أهالينا حلاً عبقريًا لعلاج هذه المشكلة، فكانوا يؤجرون هذه الصحف نظير مبلغ رمزى كل شهر، وبعد القراءة يعيدونها ثانية للبائع!!
فى تلك الجلسات سمعت لأول مرة وكنت فى العاشرة عن أسماء كبيرة أصحاب مؤلفات رائعة دخلت التاريخ، مثل د.محمد حسين هيكل باشا وكتابه العظيم «حياة محمد» والأستاذ «عباس محمود العقاد» وكتابه «عبقرية محمد» والدكتور طه حسين ورائعته «على هامش السيرة».. وغيرها.
أما الاسم الذى التصق بذاكرتى طفلاً ثم شاباً فهو المؤرخ الكبير الأستاذ «عبدالرحمن الرافعى» وكتبه البديعة عن تاريخ الحركة الوطنية والخديو إسماعيل ومصطفى كامل ومحمد فريد وثورة سنة 1919 وفى مرحلة الإعدادية كان شهر رمضان هو الفرصة الذهبية للتردد على قصر ثقافة بنى سويف خاصة المكتبة، وكان مدير القصر أيامها رجلاً نادرًا فى محبته للبشر وإخلاصه لهم وهو الأستاذ الكبير «يعقوب الشارونى» متعه الله بالصحة والعافية.
ولا أنسى له تلك المسابقات الثقافية التى كان ينظمها لنا حول قراءة كتاب أو المساهمة فى تحرير مجلات الحائط، لقد شملنى الرجل برعايته وعطفه - كما شمل المئات من أمثالى - وكان له دور كبير فى حياتى اعترف به حتى الآن.
أين هذا كله مما يحدث الآن سواء فى شهر رمضان أو غيره انشغل الأولاد والبنات وراحوا يلهثون وراء «جوجل» و«تويتر» والانستجرام والتواصل الاجتماعى بحثًا عن نميمة أو فضيحة أو كتابة تريقة سخيفة، أو تعليق ممل أو مقاطع غريبة أو صور أغرب.
كل واحد ملخوم وملهى مع نفسه حتى داخل الأسرة الواحدة التليفزيون مفتوح ولا أحد ينظر إليه، وكل واحد مع محموله أو «آى باده» سايح ونايح وغرقان فى دنيا تانية!!
لن تجد هناك «أبًا» يلعب عشرة طاولة مع ابنه أو ابنته، ويتحدثان ويتسامران فى محبة حقيقية، ولم يعد هناك جهاز تليفزيون واحد تلتف حوله الأسرة بكاملها لمتابعة مسلسل أو برنامج، أصبح فى البيت الواحد أكثر من جهاز تليفزيون وكل واحد يشاهد ما هو على مزاجه وذوقه!! ولن تجد «البنت» التى تقوم مع أمها بتحضير طعام اليوم التالى.. فبنات هذه الأيام لا يعرفن أصلاً الطريق إلى المطبخ!!
على أى حال رمضان كريم، علينا وعلى مصر كلها بإذن الله.