السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لو ألغيت هذه الأحزاب!

لو ألغيت هذه الأحزاب!






بصراحة لا أنت ولا أنا نعرف عدد الأحزاب السياسية فى مصر وهل هى عشرة.. عشرون.. تسعون أم تعدت المائة!
ربما نعرف أسماء أربعة أو خمسة أحزاب لا أكثر ولا أقل، ثم أين باقى هذه الأحزاب؟! أين توجد؟! ماذا تفعل؟! والأهم كم عضوا ينتمى إلى كل حزب من هذه الأحزاب؟!
وأظن أن الأستاذ الكبير إحسان عبدالقدوس عندما كتب مقاله «لو ألغيت هذه الأحزاب» قبل 69 سنة (فى نوفمبر سنة 1947) كان يقصد الأحزاب طبعة أو موديل 2016 أى اليوم.
أدعو كل رؤساء الأحزاب فى مصر سواء المعروفة أو غير المعروفة إلى قراءة مقال إحسان بعناية وبدقة ولا يتسرعون فى رفع قضية عليه(!!) كتب إحسان مقاله ومصر تحت الاحتلال ورئيس الوزراء أيامها «النقراشى» باشا يخطب فى مجلس الأمن!
يقول إحسان: قامت الأحزاب السياسية فى مصر لسبب واحد وهدف واحد هو نيل الاستقلال والمطالبة بجلاء الجيوش الأجنبية عن وادى النيل، وروعى فى اختيار أعضائها تحقيق هذا الهدف، فلم يشترط فيهم أى شرط من شروط الكفاءة إلا ما يقتضيه الجهاد ضد الإنجليز بطريقة معينة، كان يشترط فى اختيار أعضاء الحزب أن يكونوا خطباء مفوهين و«هتافة» مثيرين أو ذوى هيبة ومال يمدون الحركة الوطنية بالرجال والمال(!!)
وقد أصبح اليوم هؤلاء الأعضاء وزراء، ولكن الوزارة لا تحتاج إلى خطب ولا إلى هتاف ولا إلى عصبية ولا إلى مال إنما تحتاج إلى كفاءة لم تكن شرطا من شروط اختيار الحزب ولا شرطا من شروط قيام الحزب نفسه!
وهذا هو ما تعانيه مصر اليوم، فإن الوطنية قد تطورت والسياسة تطورت، ولم يعد يكفى لتكون وطنيا أن تتحمس لوطنك، بل يجب أن تفهم أيضا كيف تحل مشاكل وطنك!
والقضية الوطنية نفسها لم تعد قاصرة على مكافحة الإنجليز، بل أهم أُسسها مكافحة الفقر ومكافحة المرض ومكافحة الجهل، والفقر لا تكفى مكافحته الخطب العصماء! والمرض لا يمكن أن تقاومه بالهتاف، والجهل لن نقضى عليه بالمظاهرات!
وقد قال هارولد لاسكى «إن السياسية كانت كلاما فأصبحت أرقاما»، ويكفى أن نقول إن العامل المصرى قد تقدم وأصبح عماد النهضة بل يجب أن نقول: كم يبلغ أجره! وما المشاريع والمؤسسات التى أنشئت للنهوض به ورفع مستوى حياته!
ولا يكفى أن نقول إن الفلاح المصرى هو خير فلاحى العالم بل يجب أن نثبت بالأرقام عدد المرضى من الفلاحين وعدد الأصحاء وعدد العرايا الحفاة، وعدد من يموت من أطفالهم وعدد من يبقى على قيد الحياة.
وبصراحة أكثر يمضى الأستاذ إحسان فى مقاله فيقول:
«ولغة الأرقام لم تخطر على بال رؤساء وأعضاء الأحزاب عندما أسسوا أحزابهم، وبدأوا الاشتغال بالسياسة، بل هى لغة لا يستطيعون التخاطب بها، ولا فهمها لأنها على النقيض من لغة الهتاف والخطب العصماء والمظاهرات!
وليس هناك أمل فى إصلاح الأحزاب، لأنك لا تستطيع أن تقلب العربة الحنطور أو الكارو إلى سيارة أو طيارة، ولا أمل فى تدعيمها - أى الأحزاب - بأعضاء جدد من الشباب الذى يجيدون لغة الأرقام، لأن سائقى السيارات والطيارات يأبون قيادة أو ركوب سيارات الكارو والحنطور.
وينهى الأستاذ إحسان مقاله البديع فى روزاليوسف قائلا: الحل الوحيد هو أن نستغنى عن كل هذه الأحزاب ونحتفظ بها فى متحف وطنى تاريخي، أو نحتفظ بها لنلجأ إليها كلما احتجنا إلى «هتافة» أو خطباء أو متظاهرين!
ولنخلق خلقا جديدا، لنوجد الأحزاب التى تقوم على أساس الكفاءة والفهم الصحيح وسعة الأفق ولغة الأرقام.
لنوجد هذه الأحزاب وندفع بها دفعا إلى الحكم ويومها ستخرج مصر من مصحة العجزة وأرباب المعاشات، لتعود فتية شابة تساير التطور العالمى وتجبر الدنيا على احترامها».
انتهى مقال إحسان عبد القدوس صاحب الستة وعشرين عاما فى ذلك الوقت، كلمات شاب تفيض بالصدق والحيوية، ومن كل سطور المقال أتوقف عند الروشتة التى طالب بها إحسان الأحزاب وقتها وهى «الكفاءة» والفهم الصحيح وسعة الأفق ولغة الأرقام.
وأظن أن ذلك ما ينقص ليس الأحزاب وحدها بل معظم شئون حياتنا.