الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الفارس النبيل!!

الفارس النبيل!!






فى هدوء شديد مرت الذكرى الرابعة لرحيل الصديق الشاعر «أحمد زرزور» دونما أن يتذكره أحد، وهو الذى ملأ الدنيا إبداعا وثقافة وفنا، ينتمى جيليا إلى جيل السبعينيات الأدبى، ولكنه كان دائما يغرد بإبداعه خارج السرب، لما يمتلك من قدرات فذة، وموهبة استثنائية، وثقافة متنوعة غزيرة، فلم ينتم إلى شلة أو جماعة أدبية، وقتما كانت جماعتى «إضاءة 77»، و«أصوات» تتصدران المشهد الأدبى، وينضوى تحت لوائهما معظم شعراء هذا الجيل، لذا جاءت تجربته الشعرية مختلفة لا تتشابه مع غيرها من تجارب شعراء السبعينيات، فقد حملت دواوينه الأولى التفعيلية، بكارة الشعر وعذوبة النزعة الرومانتيكية، ولكنه مالبث أن كتب قصيدة النثر متأثرا بجماعة «شعر» اللبنانية، وكان أكثر افتتانا بتجربتى «أدونيس» و«أنسى الحاج»، فجاءت قصائده النثرية على عكس تجربته التفعيلية، مكثفة وغامضة وعميقة تحمل ثقافة وفكرا وجدلا فلسفيا، وإلى جانب أنه كان شاعرا للكبار، كان أيضا شاعرا متفردا للأطفال كتب لهم العديد من الدواوين، والأغانى والأوبرتات، وأغانى المسرحيات،  وكان –رحمه الله- لديه اهتمام خاص بأدب وثقافة الطفل، وفاز ديوانه «ويضحك القمر» بجائزة الدولة التشجيعية فى شعر الأطفال عام 1992، كما فازت إحدى أغانيه للأطفال بالجائزة الذهبية فى أحد مهرجانات الإذاعة والتليفزيون.
تعرفت على «زرزور» فى منتصف التسعينيات حينما انتدبه الكاتب محمد السيد عيد من مكتبة بولاق الدكرور الثقافية التى كان يعمل بها أخصائيا ثقافيا، ليعمل معه مديرا لتحرير مجلة قطر الندى التى كان يؤسس لها فى الهيئة، وسرعان ما أصبحنا صديقين لا نفترقان، خاصة بعدما توليت سكرتارية تحرير قطر الندى، ولما تعرفت عليه عن قرب وجدت فيه إنسانا نبيلا، وأخا كريما، وصديقا وفيا، ومثقفا رفيع الثقافة، يمتلك قلبا يتسع لمحبة العالم، يسدى النصيحة لكل من حوله بحب وإخلاص منقطع النظير، لا يتأخر فى أمر أو مشورة طلبت منه، وكان ينجز أعماله بدقة متناهية وعلى الوجه الأكمل، وصاحب أياد بيضاء علىّ وعلى جيل كامل من كتاب ورسامى الأطفال فى مصر، وكان حريصا على تقديم شباب الكتاب والرسامين، من خلال صفحات قطر الندى، خاصة الموهوب منهم يعطيه أكثر من فرصة للتحقق والانتشار، وكان يعتبر «قطر الندى بنته البكر، يعطيها جل اهتمامه ويتفنن بحس المبدع فى تطويرها واستقطاب أقلام ورسامين جدد إليها.
اصطحبنى معه - ذات مساء- إلى ورشة «بولاق الدكرور الأدبية»، التى كانت تكمن فى حجرة صغيرة بمركز الشباب، تعرفت فيها، على الراحلين خيرى عبد الجواد، وسمير عبد الفتاح، وربيع مفتاح، والراحل حازم شحاتة، وناصر الحلوانى، وعدد كبير من شعراء وأدباء جيلى، وقد شهدت هذه الورشة بداياتى الأدبية، واستمعت فيها إلى تجارب كبار كتابنا المصريين، أمثال: خيرى شلبى، ويوسف القعيد، ومحمد جبريل وغيرهم من الأدباء والشعراء.
كان «زرزور» طيب القلب ينتمى للفقراء ويدافع عنهم باعتباره واحدا منهم، ويثأر لكرامته إذا شعر أنه تعرض لإهانة، وكان شرسا فى معاركه، لا أنسى معركته مع أنس الفقى رئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق، حينما أبعده عن مجلة «قطر الندى» التى كان يعتبرها مشروع حياته، وشهدت جريدة العربى الناصرى مقالاته النارية ضد الفقى، فى عز عنفوانه وعلاقته القوية بالنظام فى ذاك الوقت، وتدخلت أطراف صحفية كثيرة لإثناء «زرزور» عما يقوم به من مهاجمة «الفقى» لكنه لم يكف إلا بعد أن شفى غليله، وقال ما يريد قوله مجاهرا له بالعداء فى شجاعة واستبسال نادرين.
وحينما أخبرته بأننى متضامنا معه، وسوف أترك المجلة لأننى لا يصح أن أعمل بها، بعدما تركها بهذا الشكل المهين، قال لىّ فى نبوءة تحققت بعد ذلك: «إياك أن تترك المجلة، فنحن من صنعناها.. وسوف نعود إليها مرة أخرى»، وقد تحققت نبوءته حينما جاء الفنان أحمد نوار رئيسا للهيئة، وأنصف «زرزور» وأعاده مرة أخرى لرئاسة التحرير، بل أسند إليه مهمة إدارة النشر، ثم إدارة «القصور المتخصصة» بعد ذلك، رحم الله الفارس النبيل أحمد زرزور.