الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حيرة فرح.. لمنى لملوم

حيرة فرح.. لمنى لملوم






أكون من السعادة بمكان حينما أقع على كتاب جيد للأطفال، لإدراكى التام بأن هذه الكتابة صعبة وتحتاج لموهبة متميزة، خاصة عندما تكتشف أن هذا الكتاب هو الكتاب الأول للكاتبة، بل يتناول موضوعا جديدا لم يتطرق له أحد من قبل، ولكى أكون دقيقا لم أقرأ كتابا قصصيا للأطفال تناول الأسئلة التى تدور فى عقول أطفالنا الصغار، وهى بالطبع أسئلة شائكة لأنها جميعها مرتبطة بالخالق عز وجل، وبالجنة والنار، وبالرغم من أننا مررنا جميعا بهذه الخبرة، إلا أننا لم نحاول كتابتها أو التعبير عنها، فقد دارت فى أذهاننا جميعا مثل هذه الأسئلة ونحن صغار، أو تعرضنا لها من قبل أطفالنا الصغار الذين كانوا يفاجئوننا بمثل هذه الأسئلة التى كنا لا نجد لها إجابات شافية، خاصة أنها مرتبطة بالقيم التربوية الصحيحة، وبالعقيدة الدينية، فكنا غالبا ما نتهرب من مثل هذه الأسئلة حتى لا نتورط فى إجابات قد لا تكون دقيقة، فنزيد الطفل حيرة أكثر فيضطر إلى أن يبحث لها عن إجابات بنفسه، هذا هو مضمون كتاب «حيرة فرح» الصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للكاتبة منى لملوم، التى استطاعت أن تجيب عن هذه الأسئلة بذكاء ووعى فى قالب قصصى مكثف وشيق، وأرى أنها اجابات مقنعة وواقعية وتربوية، ومتسقة مع قيمنا الدينية والأخلاقية وعاداتنا وتقاليدنا التى تربينا عليها، لأنها حاولت الإجابة عن معظم الأسئلة بشىء ملموس يحمل خيالا منطلقا فى المعالجة، وتكمن قيمة هذه القصص العشر فى فنية التناول والبحث عن إجابات شافية، وهى بهذا الكتاب «حيرة فرح» خلصت «فرح» بطلة القصص من حيرتها، بل خلصت الأسرة المصرية من قلق الإجابة عن هذه الأسئلة، وقدمت خدمة للأمهات اللاتى لا يمتلكن وعيا وثقافة تؤهلهن للإجابة على مثل هذه الأسئلة التى تحتاج فى ظنى وعيا وذكاء ودربة فى التعامل مع الأطفال حتى لا نوقعهم فى مشكلات نفسية يصعب حلها، وهدف الكاتبة من وراء تأليف هذا الكتاب أجابت عليه فى الكلمة القصيرة المنشورة على ظهر الغلاف الأخير، تقول: « عندما كنت طفلة، كانت تراودنى أسئلة صعبة، أسأل عن إجابتها أمى وأبى، وأحيانا لم تكن تلك الإجابة تقنعنى، فكنت أفكر وأبحث عن إجاباتها بنفسى، وأعود إلى والدى لأخبرهما بما وصلت إليه.. وعندما كبرت أصبحت أسمع تلك الأسئلة من أطفال كثر، ولذلك قررت تقديم هذا الكتاب لكل طفل لديه رغبة فى المعرفة»، وهو هدف نبيل تشكر عليه.
وفقت الكاتبة فى اختيار هذا العنوان «ففرح» الطفلة الذكية التى لا تكف عن الأسئلة، تقع فى حيرة، وتريد أن تتعرف على أشياء تؤرقها، وعلى إجابات لأسئلة تدور فى ذهنها، وجاءت الأسئلة على النحو التالى، التى اتخذتها الكاتبة عناوين للقصص العشر: «لماذا لا نرى الله؟، كيف يرانا الله إذا اختبأنا؟، هل الله قريب أم بعيد؟، وكيف يسمعنا؟» و«لماذا نعبد الله وحده؟» و«هل الله يعلم كل شىء؟» و» لماذا خلق الله الملائكة؟» و«كيف خلق الله الشيطان من النار وسيحرقه بها؟» و»لماذا اختار الله الأنبياء من الرجال دون النساء؟» و«ما شكل الجنة» و«لماذا يحاسبنا الله إن كان يعلم الشىء قبل أن نفعله؟» كلها أسئلة تحتاج إلى ذكاء فى الإجابة عليها، وقد وفقت الكاتبة فى توصيل أفكارها ببساطة ويسر عبر قصها البسيط المعبر والمقتصد.
ففى القصة الثانية تطرح سؤالا: «كيف يرانا الله إذا اختبأنا؟»، دخلت فرح وأكلت التفاحة فى دولاب الملابس وأغلقت الباب عليها، وبعد أن انتهت من أكلها، ذهبت لوالدتها وأخبرتها أنها أكلت التفاحة دون أن يراها الله، فأرادت الأم أن تجيبها على سؤالها بشكل عملى أيضا حتى تقتنع، إذ اصطحبتها إلى السفرة، وقالت لها أغمضى عينيك؟ وأحضرت طبقا وخبأت تحته بعض الأشياء، وقالت لفرح: ماذا خبأت تحت الطبق؟، قالت فرح: لقد خبأت هاتفا محمولا، وتفاحة، وعلبة ألوانى، فسألتها الأم: وكيف عرفتى رغم أننى خبأتها منك، قالت: لأن الطبق شفاف ويظهر ما تحته، فقالت لها الأم: يا ابنتى، إن الكون كله شفاف بالنسبة لله، فلا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء.
وهكذا تسير الكاتبة على هذا النهج فى كل قصص الكتاب العشر، التى تنطوى على أسئلة تجيب عنها بقصة طريفة كى تقتنع فرح بالإجابة، وترسخ فى ذاكرتها ويصعب نسيانها.
استطاعت الكاتبة أن توظف لغة مناسبة للقصص، ولم تلجأ إلى الوصف بل دخلت مباشرة على فكرة القصة، وهذا يدل على وعى الكاتبة ودرايتها بماهية الكتابة للأطفال، «فمنى لملوم» تضع قدمها بقوة ضمن كاتبات الأطفال المتميزات على الساحة الثقافية، بهذا الكتاب المدهش.