الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الكناس المحترم.. لسعدية العادلى

الكناس المحترم.. لسعدية العادلى






«الكتابة للأطفال عمل يمكن، بل يجب، أن يكون ممتعا. لكن هذا لا يعنى أنها بسيطة وسهلة. فالكتابة للأطفال فى أكثر الأحيان أكثر صعوبة وتعقيدا مما تبدو لأول وهلة. والكتابة عامة عمل شاق، وهى ليست أسهل لأن قرّاء ما تكتبه أطفال صغار»، وتأتى قصة «الكناس المحترم» التى صدرت مؤخرا عن دار «الدار» للكاتبة سعدية العادلى، وبرسوم الفنانة رشا منير، لتؤكد ما ذهبنا إليه فى بداية المقال، رغم أن الكتاب باكورة أعمال الكاتبة القصصية للأطفال، وأول قصة من سلسلة «المحترمين»، التى ترعب جاهدة فى تقديمها كما جاء على غلاف الكتاب «للأم الواعية»، باعتبارها رسالة سامية وهدفا نبيلا فى ذاته، وهى بهذا التوجه تريد أن تعيد الكاتبة للإنسان المصرى احترامه من جديد، عن طريق الأم التى تحكى لأطفالها الصغار، لتغرس فيهم صفة حميدة ، كادت أن تضيع ملامحها ويضيع «المحترم» وسط ركام الزيف الذى يضج به المجتمع الآن، عبر قص شائق ولغة سهلة وبسيطة، تقول الكاتبة فى تقديمها لهذا الكتاب: «كثيرا ما يردد الناس كلمة «محترم» وكثيرا ما تساءل أحفادى نور الدين وعز الدين وأحمد وسلمى عن معنى كلمة محترم. إليكم يا أحفادى وإلى كل الأطفال أهدى هذه السلسلة من القصص لتتعرفوا من خلالها على الصفات والمواقف التى تجعل الإنسان متحليا بهذه الصفة الحميدة التى يتمناها الجميع. ونهاية أسأل المولى عز وجل أن يوفقنى لتوصيل المعنى وأن يستجيب لدعائى بأن تكونوا جيلا من المحترمين».
 حرصت الكاتبة أن تكون القصة حكاية على لسان الجدة، التى تجتمع كل خميس بأفراد العائلة فى بيت الجد والجدة، يقضون أوقاتا سعيدة مليئة بالحب والمودة، خاصة الأحفاد يجلسون حول الجد والجدة فى شوق لسماع القصص والحكايات، وهى بهذا الشكل تعيد دور الجدة الحكاءة مرة ثانية للمجتمع المصرى بعدما تلاشت هذه الظاهرة فى ظل وجود الميديا الحديثة وتقنياتها الرهيبة التى فتت الأسرة المصرية، وحرمتها من الدفء العائلى الحميم، الذى كان يتعلم فيه الطفل كل الصفات والقيم الحميدة والجميلة.
أرادت الكاتبة أن تضرب مثلا عن الاحترام بإحدى المهن البسيطة «الكناس» وهى من المهن التى ينظر إليها المجتمع المصرى بتدن، رغم أنها مهنة شريفة، وأرادت أن تقول أن «الاحترام» ليس قاصرا على المهن العليا فقط، بل كل مهنة وعمل فيها الصالح والطالح.
فعامر وهامل رجلان يعملان فى تنظيف شوارع المدينة، «عامر» يذهب إلى عمله مبكرا بنشاط وهمة، ويؤدى واجبه على أكمل وجه، ودونما انتظار شىء من أحد سوى الله عز وجل، أما «هامل» فيقوم من نومه متكاسلا، ويذهب إلى عمله متأخرا، بل وينشغل عن عمله بالمارة فى الشوارع، يستجدى منهم حسنة ويمد يده لمن يركبون السيارات التى تمر فى الشارع، ولا يعمل إلا بعد أن يرى مشرفه قادما من بعيد.
هذان نموذجان نراهما يوميا فى مرورنا المعتاد فى الشوارع، نموذج ايجابى ونموذج سلبى، نموذج يحب عمله ويتقنه، ونموذج يهمل عمله، نموذج يخاف الله، ونموذج يخاف مشرفه، هكذا هو التباين الذى صنعته الكاتبة بتمكن وقدرة على صياغته بطريقة جميلة.
فالقصة تحمل قيما إسلامية وتربوية كثيرة، مصداقا لقول الله عز وجل «إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، فما كان من الناس إلا أن أحبت «عامرا»، لأن الله إذا أحب عبدا، نادى فى ملائكة: «يا ملائكتى إنى أحب فلانا فأحبوه، فتنادى الملائكة فى الأرض، يا أهل الأرض إن الله يحب فلانا فأحبوه، فتكتب له المحبة فى الأرض»، وهذه كانت الإجابة التى أجابها عامر على سؤال «هامل» بعدما لاحظ أن الناس تقبل على «عامر» وتنفر منه، ولأن الله يحب «عامر» بسط له الرزق الحلال جزاء عفته وأمانته، فقد وجد شنطة مليئة بالنقود، سقطت من صاحب السيارة التى كان يطارده «هامل» لتستجدى منه حسنة، وأعادها إليه دون أن ينتقص منها شيئا، فكافأه الرجل بأن اصطحبه معه إلى بيته لينظف له الحديقة، بعد أن ينهى عمله فى الشارع، وهكذا تضرب لنا الكاتبة مثلا يحتذى من «المحترمين» قلما يتواجد هذه الأيام.