الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البرنبالى.. ألا يستحق السفر والعلاج على نفقة الدولة؟

البرنبالى.. ألا يستحق السفر والعلاج على نفقة الدولة؟






«مستكترين على الصمود يا عبده.. والصبر على تحمل المرض» هكذا قال لىّ بمرارة صديقى الشاعر الكبير طاهر البرنبالى، أثناء زيارتى له بمستشفى «مصطفى محمود» بميدان لبنان، التى يرقد بها طريحا للمرض، كادت أن تطفر الدموع من عينى على إثر هذه العبارة، ولكننى تماسكت وطيبت خاطره، وقلت له: كلنا حولك يا شاعر، وأى شىء تطلبه سنلبيه على الفور، سكت قليلا، وقال: الحمد لله «أهو إحنا بنقاوم.. ولا نملك شيئا غير المقاومة»، فى هذه الزيارة تحدث معى عن وفاة عمنا سيد حجاب، وسألنى عن معرض الكتاب، وقال لىّ: أنهم اتصلوا به من الهيئة يعلمونه بموعد الأمسية التى سيشارك فيها بالمعرض، لمحت فى عينيه الأمل فى أن يتعافى كى يشارك مثل كل عام فى فعاليات المعرض، وحدثنى أيضا أن هناك مندوبا من وزارة الثقافة اتصل بالمستشفى كى يطمئنوا على حالته الصحية وأنهم أرادوا أن ينقلوه إلى أحد المستشفيات التابعة للتأمين الصحى، ولكن طبيبه المعالج الدكتور عمرو حلمى الذى يتابع حالته رفض خروجه من المستشفى، وأثناء الزيارة توافد الأصدقاء يسرى حسان، ومسعود شومان، ومحمد عبد الحافظ ناصف، على حجرة طاهر، التى لاينقطع عنها الزيارة من أصدقائه ومحبيه.. استطعنا فى هذه الزيارة القصيرة أن نرسم البسمة على وجهه.
منذ أيام قلائل اتصلت بىّ زوجته - المناضلة الأصيلة التى ساندت وتحملت مرض طاهر برضا فى كل مراحله، وتبرعت له من قبل بفص من كبدها- تخبرنى بأن المستشفى نقلت طاهر من حجرة الرعاية التى كان مستريحا بها إلى حجرة عادية، بحجة أنا حالته الصحية أصبحت أفضل، فسألتها هل صحته أصبحت أفضل بالفعل؟، قالت: أرى أن حالته كما هى، وكان يجب على إدارة المستشفى أن تنتظر حتى يتعافى طاهر ويستطيع الخروج على قدميه بدلا من نقله من حجرة الرعاية، وخوفا من تدهور حالته من جراء عدم الاهتمام.
كنت أتمنى أن يكون الاهتمام من قبل الدولة أكبر من هذا بكثير، بشاعر بقامة وعطاء طاهر البرنبالى، خاصة أن حالته المرضية تستوجب السفر إلى الخارج لزراعة كبد كامل بعد تدهور حالته الصحية فى السنوات الأخيرة، فهو لم يتاجر بمرضه ولم يقف على أبواب أحد يستجدى منه شيئا، بل ظل صابرا ومثابرا يعمل بجد وإخلاص وإيمان بموهبته ورسالته، ولم يدخر جهدا على مدى مسيرته الإبداعية فى عطائه لهذا الوطن، فهو طاقه إبداعية كبيرة ومتفجرة، راهن عليها منذ أن خرج من قريته الصغيرة «برنبال» بكفر الشيخ، يحدوه الأمل فى أن يكون صوتا شعريا فريدا، خرج حاملا موروثها وغنائها الشعبى، صاغه من وجدانه المرهف قصائد وأغانى، حملها فى قلبه الصغير وطاف بها مدن وقرى ونجوع مصر من أقصاها إلى أقصاها، ولا أنسى يوم أن أصدر له أصدقاؤه فى الجامعة ديوان مستر بعنوان «نجمة الضهرية» يحمل تجارب البدايات التى كانت منبئة بميلاد شاعر جديد، وكنا ونحن فى ذاك الوقت صبية نحفظ قصائد هذا الديوان ونرددها فى جلساتنا الخاصة، ونفتخر أنه أحد أبناء قريتنا، وسرعان أن لمع نجم طاهر فى القاهرة، وذيع صيته بقصائده المتفردة والمختلفة، وأصدر ديوانه الأول «طالعين لوش النشيد»، الذى طعمه ببعض قصائد ديوانه الماستر، صدر هذا الديوان وهو فى السجن يقضى عقوبة حبه وإخلاصه لهذا الوطن، وعمله بالسياسة وانتمائه لليسار المصرى، ودفاعا عن البسطاء من أبناء هذا الشعب، كان هذا الديوان بمثابة الميلاد الحقيقى للبرنبالى، لاختلافه عن السائد والمألوف ولبكارة وطزاجة شعر طاهر، ولأنه يحمل معاناة وآلام وأحلام الفقراء من أبناء هذا الشعب.. يقول فى إحدى قصائده:
«تلاتين سنه والبحر عازب.. تلاتين سنه والبحر يحمل بالشطوط.. والحمل كاذب.. تلاتين سنه.. والبحر ما دقش الصبا.. لأن عينه قريبه م المستحيل.. والناس بترمح ف الوريد.. طالعين لوش النشيد»، وقد تلقفت الحياة الثقافية هذا الديوان بلهفة، وكتب عنه الكثير من النقاد الكبار، ولا ننسى مقدمة الديوان المهمة التى كتبها الناقد الكبير الدكتور سيد البحراوى الذى تنبأ فيها لطاهر بمستقبل باهر فى مسيرة شعر العامية المصرية.
وبعد ذلك تتابعت دواوين طاهر فى الصدور لتصبح ستة دواوين شعرية، ولم يكتف بالكتابة الشعرية للكبار، بل كتب اثنى عشرة ديوانا للأطفال، ليكون له أيضا تجربة خاصة فى الكتابة للأطفال.
كما كتب العديد من الأغانى للمطربين والمطربات، منهم: عفاف راضى، مها البدرى، حنان ماضى، وكتب العديد من مقدمات الأعمال الدرامية، منها: مسلسل «حياة الجوهرى»، «أحزان مريم»، غيرها من المسلسلات.. ألا يستحق طاهر بهذا العطاء الكبير أن يسافر للخارج للعلاج على نفقة الدولة؟