الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«بنجلون» فى القاهرة..!!

«بنجلون» فى القاهرة..!!






قبيل انعقاد معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الأخيرة بأيام قلائل، كتب المغربى الكبير «العربى بنجلون» بوستا على صفحتة الرئيسية بالفيس بوك: «أنا الآن فى ميدان طلعت حرب بوسط القاهرة..» ويبدو فى الصورة خلفه تمثال طلعت حرب، و«بنجلون» يقف متأنقا بزيه الشتوى الثقيل فى نهار يناير البارد، كنت فى شوق للقاء هذا الرجل الذى عرفته من كتاباته النثرية البديعة قبل أن ألتقيه، وقد حكمت له عملا مسرحيا للأطفال كان مشتركا به فى  إحدى المسابقات الأدبية التى انطلقت عن إحدى المؤسسات الثقافية الكبرى فى مصر، دخلت له على الخاص وكتبت رقم تليفونى المحمول ورغبتى فى مقابلته، فى الغد اتصل بىّ وتواعدنا على اللقاء فى الخامسة مساء على مقهى «وادى النيل» بميدان التحرير، حيث يسكن فى أحد الفنادق التى تطل مباشرة على الميدان، فى الموعد المحدد وجدته يجلس فى مدخل المقهى ينظر إلى الميدان يتأمل المارة، وما إن التقيته حتى سلمت عليه بحرارة ورحبت به، تناولنا الشاى وجلسنا ما يقرب من الساعة نتحدث فى أمور الثقافة المصرية والعربية، ثم اصطحبنى إلى الفندق ليهدينى بعض كتبه، وبعدها نزلنا إلى الشارع نتمشى فى شوارع وسط المدينة، حكى لىّ عن زياراته السابقة إلى القاهرة، وفى إحدى هذه الزيارات كان يصطحب زوجته وأصر على اللقاء بالراحل خيرى شلبى فى المقابر حيث كان يكتب رواياته، وسألته زوجته باستنكار: وهل يعيش الأحياء فى مقابر الموتى؟ لكنه أفهمها أن الراحل كان يبحث عن الهدوء الذى يمنحه القدرة على القراءة والكتابة والتأمل، وكتب عن هذا اللقاء وغيره من اللقاءات بالكتاب المصريين والعرب وتأملاته فى زياراته المختلفة لمصر والعواصم العربية، فى كتاب الرحلات البديع «أن تسافر»، الذى طبع فى طبعتين، الأولى عام 2014 فى «المطبعة السريعة» بالقنيطرة، والثانية عام 2016  فى الهيئة المصرية العامة للكتاب، وثانى يوم من افتتاح معرض القاهرة تقابلنا على المقهى وانطلقنا إلى هناك، تقابلنا مع العديد من الكتاب المصريين والعرب، وعرفت أن الرجل أتى لحضور المعرض على نفقته الخاصة فلم يكن ضمن وفد الكتاب المغاربة التى أوفدتهم المغرب للاشتراك فى فعاليات المعرض، رغم أنها كانت ضيف شرف هذه الدورة، ولما سألته عن هذا الأمر، قال: «أننى لست ضمن شللية وزارة الثقافة التى تفد من تريد» تعجبت من تشابه حال الواقع الثقافى العربى، وتجاهل المبدعين الحقيقين عن قصد لأنهم لم يقفوا بالأبواب، ولم يتنازلوا عن مواقفهم وقناعاتهم مقابل سفرية هنا أو هناك، وفى الغد كنا على موعد صباحا فى دار الأوبرا للذهاب إلى مكتبة المجلس الأعلى للثقافة لشراء بعض الكتب التى قد طلبها منه بعض أصدقائه من الكتاب المغاربة، وبعد أن اشترينا الكتب، أراد أن يلتقط بعض الصور التذكارية مع تمثال الموسيقار «محمد عبد الوهاب»، وتمثال «كوكب الشرق أم كلثوم»، وأبدى إعجابه بمبنى دار الأوبرا، ومبانى المؤسسة الثقافية المصرية، وقال لىّ فى مرارة: تخيل أن المغرب ليس بها سوى مبنى واحد لوزارة الثقافة، فكانت مفاجأة بالنسبة لىّ، فقلت له: كيف؟!، وهيئة قصور الثقافة بمفردها بها أكثر من 560 موقعا ثقافيا، قال الرجل فى تواضع: الثقافة فى مصر حيث الاهتمام والزخم والكثافة والجودة، قلت له: وأنا أرى أن الحركة النقدية الحديثة توجد فى المغرب، قال: إن العقلية المغربية عقلية ناقدة، فمنذ القدم كان هناك اهتمام كبير بالنحو والصرف، وكانوا يقرأون الكتب ويمسكون بالأقلام يعلقون بها على الأخطاء النحوية وغيرها من الأخطاء على هوامش الكتب، فمن هنا جاء اهتمام المغاربة باللغة العربية وسلامتها ودقتها، وتربت لديهم الذائقة النقدية، فى مساء هذا اليوم ذهبنا إلى المعرض لمناقشة كتابى «ألوان عمر» للأطفال، وفى الندوة تحدثت عن الكتاب مع الأطفال ودعوت «بنجلون» أن يجلس بجوارى وقدمته للحديث إلى الأطفال، وفوجئت أن الرجل قد قرأ الكتاب الذى قد أهديته له قبلها بيوم واحد، وتحدث عنه بشكل جميل، مرت أيام المعرض مسرعة، لكننى سعدت بمصاحبة قامة سامقة فى دنيا الإبداع النثرى والنقدى صديقى الجميل المبدع «العربى بنجلون».