الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الراحلون والبرنبالى..!

الراحلون والبرنبالى..!






منذ بداية هذا العام ومبدعونا يتساقطون واحدا تلو الآخر، فقد غيّب الموت الكثير منهم، رغم أنه لم يمر من العام إلا ثلاثة شهور فقط، فقدنا خلالها قامات سامقة فى دنيا الإبداع، أذكر منهم: نهاد صليحة، عبد المنعم تليمة، أحمد الشيخ، سيد حجاب، طاهر البرنبالى، ومنذ أيام قليلة سقط المترجم الكبير طلعت الشايب، أثناء إلقائه لمحاضرة عن الترجمة بقصر ثقافة دمياط، ليموت موتة درامية، وكأنه أراد أن يعلمنا درسا أن المبدع الحقيقى لابد وأن يعمل حتى آخر نفس فى حياته، هكذا كان عمنا الشايب الذى لاقى من الظلم والغبن الكثير رغم مشروعه الكبير فى الترجمة، وليلحق به رمزا آخر من رموز المقاومة فى الحركة الأدبية المصرية «كابتن غزالى»، الذى رحل عن عمر يناهز 89 عاما، فقد كان له دور بارز فى الدفاع عن مدينته السويس الباسلة، بعد نكسة 67 وحرب الاستنزاف، دافع بقلمه وأشعاره وأغانيه التى وصلت لأكثر من 800 أغنية وطنية دفاعا عن الوطن، غنى له محمد منير، وفرقة «أولاد الأرض» التى كونها مع رفقاء دربه منهم الشاعر الراحل كامل عيد، وظلت هذه الفرقة تغنى أغانى المقاومة وأغانى النصر بعد عبور قناة السويس فى 1973، على أنغام آلة السمسمية التى اشتهرت بها مدن القناة، وأصبحت حالة فنية وإبداعية فريدة، ليظل «كابتن غزالى» أيقونة المقاومة طوال أكثر من 60 عاما.
الغريب فى الأمر أن معظم مبدعينا يرحلون فى هدوء، ليتركوا فى حلوقنا غصة وألمًا، نتحسر على موتهم المفاجئ الذى غالبا ما يأتى موتهم بغتة، وهم فى عز عطائهم الإبداعى، والقليل منهم يرحل بعد صراع مع المرض.
يرحل مبدعينا دونما أن تحتفى بهم الحياة الثقافية بما يليق بقيمتهم الإبداعية وعطائهم الكبير، لكن تظل إبداعاتهم شاهدة على مسيرتهم العطرة، وما بذلوه من جهد وعرق وسهر فى القراءة والكتابة، ليخلفوا لنا كتبا تمكث فى الأرض وتنفع الناس، كثيرا من هؤلاء الراحلون يمرون مر الكرام فلا تلتفت لهم المؤسسة الثقافية لا فى حياتهم ولا بعد مماتهم وكأنهم كانوا نسيا منسيا، فنجد على سبيل المثال لا الحصر أن شاعر بحجم وقيمة عمنا سيد حجاب الذى ملأ الدنيا شعر وغناء، لم يقم له سوى حفل تأبين واحد رغم عطائه الكبير، لكن ما حدث مع الشاعر طاهر البرنبالى بعد رحيله مثير للدهشة والعجب، وهو الذى أهمل فى حياته من قبل المؤسسة الثقافية، فلم يحصل حتى على جائزة الدولة التشجيعية فى شعر العامية المصرية، فى حين حصل عليها من هم أقل منه قيمة وعطاء، ولم تهتم الدولة أيضا بعلاجه وتركته فى مرض الموت بمستشفى التأمين الصحى بـ 6 أكتوبر حتى وافته المنية، لكن تقدير الناس له ولمشروعه الإبداعى بعد وفاته كان ومازال فوق التصور، حيث أقيم له العديد من حفلات التأبين، منذ أن رحل فى 3 مارس الماضى وحتى الآن، منها الحفل الذى أقامته شعبة العامية باتحاد كتاب مصر، ومعرض الكتاب بمدينة دمنهور، ونادى أدب آفاق اشتراكية، وصالون سلوى علوان الثقافى، ومعرض الكتاب الدولى بمكتبة الإسكندرية، وغدا حفل آخر فى صالون الأديب أحمد ماضى بقرية القرضا بمحافظة كفر الشيخ، وقد شاركت الشاعر المبدع سمير الأمير فى حلقة تلفزيونية فى برنامج ليالى  بالقناة الثقافية عن طاهر، كما سجلت حلقة أخرى عنه بإذاعة صوت العرب، إذن كان تقدير الناس لإبداع البرنبالى كبير، لأن مشروعه الإبداعى كان كبيرا ومؤثرا ومختلفا عن السائد والمألوف، ومن ثم يتضح لنا أن من يقدم شيئا ذا قيمة يبقى فى ذاكرة الناس والأمة.