الإثنين 14 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«العديد» بين النصوص القديمة والأدب الشعبى

«العديد» بين النصوص القديمة والأدب الشعبى






فى عام 2014 استضاف متحف اللوفر مجموعة من المخطوطات المنسية من متحف تورينو بينهم مخطوطة تورينو الفرعونية الشهيرة التى تحتوى على مجموعة من النكات والرسوم البورنوجرافيك والتى برعت الحضارة المصرية فيها فى عهد الدولتين الوسطى والحديثة... كان من بين المخطوطات مجموعة من المرثيات التى كانت تغنى برتم معين على فراق الموتى ومن الممكن ان نطلق عليها (جوقة نواح) كما كان يفعل الإغريق فيما بعد لكن الأفضل ان نسميها كما يسميها علماء العصر الحديث بالمصطلح – عديد – أى تشيع الميت بمرثيات حديثة مغناة قد يصاحبها طقوس الندب المعروفة فى معظم حضارات العالم القديم مثل صبغ الوجه بالأصباغ السوداء أو الزرقاء واللطم أو ضرب أجزاء أخرى من الجسد – كصفع الأفخاذ – وهو ما نراه الآن فى بعض القرى والنجوع فى محافظات مصر فهو ليس بدع حديثة لكنه ضارب بجذوره فى قدم التاريخ منذ العصور الفرعونية الأولى بل ونجد تشابهًا كبيرًا بين صيغ العديد فى مصر القديمة ومعظم عصور مصر الحديثة فمثلا فى مخطوطة من مخطوطات الدولة الحديثة المكتوبة باللغة الديموطيقية نجد السيدة التى تقوم بالعديد تقول للجسد المسجى أمامها (وهى فى الغالب متوفاة أنثى كبيرة السن) تقول لها: استيقظى إذا استطعتى يا عظيمة النسب ففراشك من الحرير وووسادتك من ريش الطير المقدس.. استيقظى فالبكاء قرح عيونى..
وإذا رجعنا للعصر الحديث وجدنا أن هناك نحيبًا (وليس عديدًا) وهو مرحلة قبل العديد هذا النحيب تردده نساء مصر فى الوجه البحرى وجدنا صيغة شبيهة جدا بهذه الصيغة حيث تقول السيدة التى تنتحب (قومى كده قومى فرشك حرير ياختى ومخدتك رومى) وتتلاقى الصيغ فى وصف الفراش والوسادة مع نبرة الحزن وفقدان الأمل فى استيقاظ السيدة موضوع النحيب.
وهناك تخصص كبير فى أنشودات العديد فى مصر السفلى والعليا فهناك عديد مخصص لكل مرحلة وصفة فهناك عديد للشاب الميت وهناك عديد للمتوفاة الصغيرة التى ماتت وهى تضع مولودها وهناك عديد للرجل العجوز وهناك عديد للسيدة العجوز التى لم تنجب أولاد... وهكذا وكلها مستمدة أو لها أصول فرعونية صريحة فنحن نكاد نجزم ان العديد ذاته تمت ترجمته من اللغة المصرية القديمة إلى اللغة العربية ثم العامية... وصاحبتها ألفاظ اللهجات الإقليمية.
وفى مخطوطة أخرى كتبت بلغتين الديموطيقية واليونانية... وهى مخطوطة بدون عنوان تم تصنيفها فى جامعة ميتشجان على أنها من الأغانى الحزينة - فمعظم الجامعات الأمريكية لا يوجد بها متخصصين على مستوى عال فى الأدب الشعبى المصرى - ونحن نجزم بأنها من أشهر صيغ العديد والتى استخدمت فى مصر القديمة وعبرت إلى العصور الوسطى والحديثة فى حالتها..
تقول البردية:
لم تنتظرى يوم الفرح ولا يوم زينة الميلاد/ ولا حوض ماء الورد ولا لعب الصغير/  ولم يزرك مزينات النساء للتطهر فى النبع/ لكن زارك المحنطين وكنت فى حوض أنوفيس/ ماذا أقول لشعر طويل كنت أزينه/ الآن أطويه تحت أحزمة الكتان/ حتى لا يطير فى رحلة طويلة نحو مملكة أوزوريس/ يا ربة الميلاد ويا رب الصغار/ الأم الثكلى المثكولة فى حوض التحنيط.
اخترنا هذا الجزء البسيط من الأنشودة لأنها طويلة كشبيهتها فى العصر الحديث لندلل فقط على أنها مازالت تعيش فى ضمير الحضارة والأدب الشعبى الحديث.. وكما يتضح فهى عديد واضح وصريح لسيدة شابة ماتت أثناء الوضع وإذا قارنها بعديد النساء للشابة التى ماتت أثناء الوضع هى ومولودها والتى جمعها جاستون ماسبيرو فى كتابه العظيم والموسوعى والفريد  وجدنا من المقارنة أن النصين يكاد يتطابقا فى كل النواحى لكن مع اختلاف معاملة الجسد الميت ففى العديد الفرعونى وجدنا الحديث عن التحنيط وحوضه ومملكة اوزوريس – العالم الآخر عند المصريين القدماء – أما فى العديد الحديث الذى هو الصورة الحديثة للنص القديم فوجدنا الكلام عن الدفن والتراب وغيرها من مظاهر الديانات السماوية اللاحقة...
اخترت لكم جزءًا من هذا العديد الذى يقوم فيه النساء بالعديد على امرأة صغيرة ماتت هى وجنينها أثناء الوضع
ويقول النص: ولا سبعت ولا نصرت فرحت/ تعاود وتاخد كل شىء أن طلبت/ ولا حمام ولا جنينة/ ولا طشت واسع تسبح الزينة/ ولا حمام ولا خلوة/ ولا طشت واسع تسبح الحلوة/ طشتى حداكم وأنا مسكنى الرملة/ ولا حمام ولا بساتين/ ولا طشت واسع تسبح الغنادير/ طشتى حداكم وان مسكنى الجنازير/ مين يخدم الستات/ يلف الشعور ويحضر البدلات/ من يخدم الغنادير/ يلف الشعور ويحضر التنانير/ من يخدم البيضا/ يلف الشعور ويحضر الموضة/ سكنّا اللحود ولا عادلناش عوذه/ وألفلك شعرك وأرخى الضفيرة ورا ضهرك/ عينى تقول يا بخت من نضرك/ والعين بكاية على عدمك/ وألفلك راسك/ وأرخى الضفيرة ورا اكتفاك/ عينى تقول يا بخت من شافك/ والعين بكاية على غيابك/ وأحطلك دبوس/ وأرخى الضفيرة على حرير منقوش/ رحت بشوق الفرح ماشفتيش/ والفلك عندى/ وأرخى الضفيرة على حرير وردى/ رحتى بشوق الفرح ما شفتى/ وألفلك ببيتى/ وأرخى الضفيرة على حرير زيتي/ رحتى بشوق الفرح ما ريتى/ الحمام مضلم يا أم الغلام/ رشيلها الحمام بالريحان/ قومى لشبابك ما حاجاش صبيان/ الحمام يا نفسه/ روشيلها الحمام بالزبدة/ قومى لشبابك ما حاجاش ولده/ حمام غندورة/ حنفية الحمام مكسورة/ والمشط ضاع ولا فيش صابونة/ حمام عجبانة/ حنفية الحمام خربانة/ والمشط ضاع ولا فيش بلانه/ وبحسرة على العمر ندمانة.