السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صلاح جاهين.. شاعر لا يكف عن الغناء!

صلاح جاهين.. شاعر لا يكف عن الغناء!






 كلما ذكر اسم «صلاح جاهين» شعرت بطيور الشعر تحلق حولى مرفرفة نشوانة فرحانة، مغردة بأروع الكلمات يردد معها: (الكلمة إيد الكلمة رجل الكلمة باب/ الكلمة نجمة كهربية فى الضباب/ الكلمة كوبرى صلب بحر فوق القباب/ الجن يا أصحاب ما يقدر يهدمه/ فاتكلموا) ليدلل لنا على معنى «الكلمة» التى هى مفتتح القصيدة بمعناها الشمولى، وليس القاموسى لتتحول الكلمة أيضاً إلى «يد» قوية تصفع كل جبان ضعيف، «ورجل» تركل كل صفيق دنىء، و«باب» يفتح على مصراعيه ليدخل منه نور الصباح الطليق، معلنًا مولد يوم جديد، وتتحول «الكلمة» أيضًا إلى نجمة تضوى فى ليل حالك مضبب، لينقشع هذا الضباب ويذوب، ونعبر منتصرين على الغبن والقهر من فوق ظهر الكوبرى الصلب الذى صنعته أيضاً «الكلمة» فوق بحر هائج غادر، لا يقوى الجن على هدمه، هذه هى قوة الكلمة التى يعرفها صلاح جاهين، لذا أصر وصمم على أن نتكلم، لأنه يكره الصمت ويمقته ويلعنه فى كل كتاب، فهو أشبه بالخرس.. وكما يقول الحديث الشريف (الساكت عن الحق شيطان أخرس).. فجاهين يحن دائما إلى الغناء، فهو كالطير والعصافير الطليقة، لا يكف عن الغناء:
(ملعون فى كل كتاب يا داء السكوت
 ملعون فى كل كتاب يا داء الخرس    
الصمت قضبان منسجوين عنكبوت
يتشندلوا الخيالة فيه بالفرس
يتشندلوا الخيالة واشحال بقى
عصافير غناوى ملونة رقيقة
حياتها فى الزقزقة
وأنا قلبى طير خير إن ما غناش يموت)
 هذا هو «صلاح جاهين» الشعر فى الرجل، لم يدخل إلى قلبى شاعر مثلما دخل إليه «جاهين» ذلك الشاعر الفيلسوف، الذى تحدى نفسه وتحدانا، واختصر ما يقال فى صفحات كثيرة.. فى رباعيات مختزلة ومكثفة ولفرط عبقريته وتفرده فى هذا الشكل المميز، كلما حاول شاعر عامية أن يكتب رباعيات شعرية وقع فى جب صلاح جاهين، وكأنه احتفظ بسر هذا الفن، وسك خلفه الباب وأخفى مفاتحه، مثلما يقع كل من حاول كتابة المسحراتى فى جب فؤاد حداد الذى احتفظ بسر هذا الفن أيضاً  .. فالرباعيات الشعرية عمل قد يربك المقاييس، وكلما قرأتها أقف عندها طويلاً منبهرا، وكأننى أقرؤها لأول مرة، فأعاود قراءتها مرة ومرات: «فى يوم صحيت شاعر براحة وصفا/ الهم زال والحزن راح واختفى/ خدنى العجب وسألت روحى سؤال/ أنا مت ولا وصلت للفلسفة/ عجبى».
«ورا كل باب ألف عين مفتوحين/ وأنا وأنت ماشين يا غرامى الحزين/ إذا التصقنا نموت بضربة حجر/ وإذا افترقنا نموت متحصرين/ عجبى».
«النهد زى الفهد نط اندلع/ قلبى انهبش بين الضلوع وانخلع/ ياللى نهيت البنت عن فعلها/ قول للطبيعة تبطل دلع/ عجبي»
«ارفع غماك يا تور وبطل تلف/ واكسر تروس الساقية واشتم وتف/ قال: خطوة كمان خطوة كمان/ يا وصل نهاية السكة/ يالبير يجف/ عجبي» وغيرها من الرباعيات المدهشة، والتى حفظها الشعراء عن ظهر قلب، وغنى بعضها الفنان المبدع على الحجار لتكون أحد ألبوماته الغنائية المهمة.
  فعبر مشوار عمنا «صلاح جاهين» الشعرى غنى لكل شىء: للإنسان/ للوحدة العربية/ للعصافير/ للأطفال/ للأرض/ لسيد درويش/ للنيل/ للاشتراكية/ غنى للوطن، فتعلمنا منه الغناء ولكن من منا يقدر أن يغنى مثلما غنى جاهين وهو الذى ملأ الدنيا غناء فسيس الأغنية والمطربين معا، غنى للثورة لتكتمل السيمفونية بصوت العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، ولأنه كان عاشقًا للوطن، فأراد أن يعطينا درسًا فى حب الوطن، قال:
«يا مصر لا.. يا مصر أه يا مصر
 عيون حبيبتى العصر فى الغيطان
أهواكى آه.. عصرت نفسى عصر
فى همسة المحبة والحنان»
  رحم الله عمنا الشاعر الفذ «صلاح جاهين» الذى تحل ذكرى رحيله هذه الأيام، فقد كان إنسانًا رائعًا، وشاعرًا فذا، وشاهدًا على عصر بأكمله!!