
هناء فتحى
البلاد التى لا تعرف الحب
لم يكن خبر تخلى حفيدة إمبراطور اليابان عن لقبها السامى والتضحية به من أجل الزواج برجل تحبه ومن عامة الشعب، خبراً عادياً أو فعلاً عابراً باعتباره «حدث ويحدث ولسوف يحدث» فى بلاد كثيرة وعبر أزمنة عديدة لثقل كفة الحب وخفة كفة الحكم، لكنه عند اليابانيين هو نبأ لو تعلمون عظيم، لأنهم ببساطة أناس لا يقعون فى الحب بسهولة - عذرى أو حسى - بل بصعوبة بالغة، فالحب والجنس لديهم صار فعل ماضى، هو إحساس ورغبة فارقت شعوبهم سنةً بعد أخرى، فلا خطابات غرام ولا أشعار وقصص ولا دباديب وورود وكأنهم صاروا بشرا بلا قلب، وقد تحول كثير منهم إلى ما يشبه صنيعتهم التى برعوا فيها وصدروها للدنيا: روبوت بشر آليين، مجرد لعبة بلا إحساس، وفى يوم قريب سيتزوجون من عرائسهم الآلية بدلاً من الإناث، فعلها رجل صينى منذ أيام وأقام عرسا لامرأة روبوتية، وحضرت أمه وأصدقاء العمل حفل زفافه، هل يعنى هذا أن هناك مشكلة لدى الشعوب الذكية العالمة العليمة المتعلمة المعلمة فائقة التطور التكنولوجى؟ نعم هناك معضلة إنسانية عظمى يعيشها شعب اليابان، والصين كذلك، وهل يعنى هذا اننا يجب أن نشكر حكوماتنا على نعيم الجهل العظيم الذى نرفل فيه؟ لأ طبعاً.
بعد أن وقعت «ماكو» حفيدة إمبراطور اليابان فى الحب ثم أخبرت أسرتها برغبتها فى الزواج من زميل دراستها «كاى كومورا» الذى هو من عامة الشعب ويعمل فى مجال السياحة، وافقت الأسرة بسهولة غريبة - سأخبرك بالأسباب - فقط أخبروها أنها ستفقد لقبها العائلى الإمبراطورى قالت لهم: لكننى يقيناً لم أفقد قلبى ولا دقاته.
أما عن الأسباب التى جعلت والدا الأميرة يباركان زواج الابنة ذات الـ 25 ربيعا من شاب يماثلها فى العمر فلأن اليابانيين صاروا لا يحبون ولا يتزوجون، أو يتزوجون بلا حب أو جنس، وباتت الدراسات التى تصف هذه الظاهرة اليابانية الغريبة، باتت كثيرة ومؤكدة وعلىٰ قفا مين يشيل.
فى دراسة حديثة أجراها المعهد الوطنى للسكان وبحوث الأمن الاجتماعى باليابان وجدوا أن 70./. من الرجال غير المتزوجين والنساء غير المتزوجات تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً لم يقعوا فى الحب بتاتاً، وصارت العذرية لدى اليابانيات هى الأكثر شيوعاً، ومنذ عام 2006 ارتفعت نسبة الرجال والنساء الذين واللواتى بلا ميول جنسية لأسباب أرجعتها الدراسة لـ 3 عناصر: 1 - الفشل 2 - الإنترنت 3 - الفقر (أيوة هناك فقر فى اليابان).
أما الجزء الأخطر من ذلك هو ما جاء فى استطلاع أجرته الجمعية اليابانية للتخطيط الأسرى عام 2016 وجدوا أن ما يقرب من نصف المتزوجين فى اليابان يعيشون معا بلا جنس، وأن مشاعر الرجال والنساء المتزوجين هى مشاعر أخوة!!!!! وأما النصف الآخر من المتزوجين فقد وصفوا الجنس باعتباره عملا مزعجا، هذا بالإضافة إلى أن ملايين الصينيين الرجال صاروا رغماً عنهم بلا شريكة - امرأة - لأن حكومتهم تفرض عليهم عند الزواج إنجاب طفل واحد فقط فصار الآباء يجهضون الأجنة الإناث!!! ويعلىٰ الذكور، هذا إلى جانب ظهور عدد مهم من الدراسات الجادة والخطيرة التى باتت تؤكد أن اليابانيين قد كفروا فى معظمهم بفكرة الحب، وكثير منهم استأنسوا بالروبوت أكثر من شريك الحياة أو الصديق، لدرجة أنهم فى العام الماضى تظاهروا ضدّ الاحتفال بعيد الحب باعتباره استنزافًا للمال وضحك علىٰ الدقون، أما الذين احتفلوا به فقد قاموا بتقديم هدايا لبعضهم من الحلوى علىٰ شكل حشرات معفنة، بالطبع هذا السلوك المتنامى لم يعد يعجب الحكومة ولا الإمبراطور فاخترعوا حيلا للتقريب بين الجنسين، فأنشاوا فنادق خاصة أسموها فنادق الحب للتقريب بين الجنسين، ووجدوا أنهم غير معنيين بالخلوة، وصار الأجانب هم أكثر من يرتادون تلك الفنادق الرخيصة الراقية.
وفى النهاية نسأل: كيف يتخلى شعب بأكمله عن فكرة الحب، الإحساس به، ذلك الذى دفع بالبشرية لتخرج من الجنة مطرودة مغضوب عليها إلى الدنيا القاسية، إلى ارتكاب أول جريمة مروعة؟ أى كائن هذا الذى يتخلى ببساطة ورضا عما نبحث عنه جميعاً وفى سبيله نسقط كل الأمانى والأحلام والمكتسبات؟ كيف يعيش شعب بأكمله بلا روح؟ لكن امرأة تدعى ماكو قد أحبت وعشقت وتعذبت وتزوجت، امرأة من اليابان قد فعلتها.