الإثنين 8 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
وحدة النقد والإبداع

وحدة النقد والإبداع






منذ نعومة أظافرنا ونحن نعلم أن رمضان شهر الصوم والبر والرحمة والإحسان.. وقد ارتبط الشهر المعظم فى إدراكنا بصلاة التراويح التى تجمع أبناء الحى فى مشهد يقترب إلى حد كبير بمواسم العمرة والحج التى يتوافد خلالها عمار بيت الله من كل جهة.
وكان أقصى طموحاتنا الترفيهية آنذاك اقتناء فانوس معدنى من نوع  «أبو شمعة» من النوع العتيق الذى كان يشبه إلى حد كبير مصباح علاء الدين أو حتى فانوس إسماعيل ياسين.. وكانت الأسرة تتجمع حول شاشة التلفاز عقب الإفطار لمشاهدة أحد المسلسلات أو فوازير نيللى وشيريهان وفطوطة فى محيط اجتماعى لا يغيب أبداً عن الذاكرة.
أما فى هذه الأيام ومع الغزو الرهيب للفضائيات تشتت الجمع وتفرق أبناء الأسرة الواحدة للصراع حول متابعة مسلسل على فضائية هنا أو برنامج مقالب على فضائية هناك.. ولعلك تصاب بالذهول حين تعلم قيمة المليارات التى تنفق على إنتاج مثل هذه المسلسلات والبرامج التى لا يصيبنا منها إلا الترويج لعاهات المجتمع من فقر وإدمان وجريمة، هذا بطبيعة الحال إلى جانب مشاهد البؤس التى تكتظ بها المساحات الإعلانية للقنوات التى تتاجر بأمراض البؤساء حتى تحولت هذه الإعلانات إلى ملمح أساسى من معالم الشهر الفضيل.
على الجانب الآخر وفى أغلب الشوارع والميادين تشاهد طوابير لا تحصى من البشر تتجمع حول إحدى سيارات بيع السلع الغذائية، التى تبدأ بالجبن والبيض وتنتهى باللحوم والياميش، بأسعار مخفضة والتى تخصصها الدولة كإحدى وسائل مواجهة الارتفاع الجنونى فى الأسعار.. ولا يملك رب الأسرة أو سيدة المنزل إلا تحمل عناء الوقوف فى هذه الطوابير التى تمتد لمئات الأمتار للحصول على كيلو سكر أو زيت وخلافه بسعر فى متناول أيديهم خصوصاً أنه كما يقول المثل الشعبى «العين بصيرة والإيد قصيرة».
وبين هذه المشاهد جميعا يضيع المعنى الحقيقى لشهر رمضان المبارك الذى هو فى جوهره شهر التواد والتراحم بين البشر.. فإذا بنا نتحول به إلى شهر المسلسلات والطوابير التى تصرف الناس عن المعانى السامية للحكمة التى شرع الله من أجلها فريضة الصوم الذى هو أحد أركان الإسلام.
ولعله ليس من قبيل المبالغة أو المغالاة القول إننا وبكل أسف فقدنا الحكمة والهدف الرئيسى من شهر رمضان حيث ينصب كل اهتمامنا بالوسائل التى تملأ العين والبطن.. رغم أن الهدف الأساسى منه هو صون النظر وتهذيب المعدة.. لذا فإننا نواجه حالة فى غاية الطرافة مفادها أننا بدلاً من أن نتقرب إلى الله بالطاعات وصالح الأعمال فإننا نلهى بالمسلسلات وبرامج التريقة على خلق الله.
وبدلاً من أن نشعر بجوع المحتاجين بالاقتصاد فى طعامنا فإننا نخرج من هذا الشهر الكريم زائدين 10 كيلو جرامات على أقل تقدير بفعل التهام كل ما لذ وطاب والتمعن فى خلق أزمات اشتعال الأسعار بسبب زيادة الإقبال عليها.
كما أن أغلبنا يخرج من شهر رمضان إلى عيادات الأطباء للعلاج من عسر الهضم والسمنة المفرطة.. كل هذا وغيره يتطلب منا، فعلاً لا قولاً، أن نضع خطة استراتيجية لشهر رمضان تقوم على حسن استثمار هذه الأيام المباركة التى فيها نزل القرآن وفيها ليلة هى خير من ألف شهر ولنستعيد فيها معانى تهذيب الأنفس وتعويدها على الطاعة والتخلص من العادات السيئة التى تفقدنا فضائل الشهر المعظم.