الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
هل شعبية الرئيس فى خطر؟

هل شعبية الرئيس فى خطر؟






كلما ابتعدنا زمنيا عن الحدث الأعظم فى تاريخ مصر المعاصر (ثورة 30 يونيو) قل الوهج،  واعتبرنا البطولة الفدائية مجرد واجب، تقتضيه الوظيفة ومهام المنصب..  هكذا هى ذاكرة الشعوب، وللدقة ذاكرة شعبنا تحديدا سريع النسيان!
فى أعتق الديمقراطيات حتى تلك التى بدأت تحبو.. ترتفع مؤشرات الشعبية فى فترات الترشح، وتنخفض مع كل يوم تقضيه فى الحكم، طالما اتخذت فيه قرارات ومهما حققت من إنجازات، فكل قرار يصدر عن كرسى الحكم يرضى أحد مؤيديك وينتقص آخر منهم ايضا!
إذا طبقنا ما تقدم على الحالة المصرية الراهنة للإجابة عن السؤال الذى قد يعتبره البعض شائكا، ومحرجا،  ويخشى البعض طرحه من الأساس وليس الإجابه عنه.. هل انخفضت شعبية السيسى فعلا؟!
- الإجابة بكل شجاعة وموضوعية: نعم!
انخفاض الشعبية ليس دليل فشل أو إخفاق، هكذا هى قواعد لعبة الحكم، من يحكم قد يخسر من مؤيديه وقد يضم إليه من معارضيه، لا يوجد مدير ناجح يربح مشاعر الجميع، كواليس الحكم تجبرك على اتخاذ القرارات الصعبة وتجرع الدواء المر وتبقى أمام خيارين إما أن تعلى معايير شعبيتك على مصلحة الوطن وإما تضحى بها فى سبيل الوطن والرئيس الناجح الأمين سيختار الثانية فورا.
لظروفنا فى مصر خصوصية لما مر بالبلاد والعباد من أحداث جسام وحدت الأغلبية الساحقة من المصريين على قلب 30 يونيو، حالة قد لا تتكرر فى عمر الشعوب، سرعان ما عادت تنفصل الجزر المتلاحمة وتعود إلى قواعدها الجغرافية بعد هدوء الطوفان الشعبى.
كتلة 30 يونيو لم تتفكك كما يروج البعض، بل تتطهر من الأدران والشوائب السياسية التى علقت بها ولم يكن لها أى خيار سوى ركوب الموجة الثورية العاتية، حفاظا على ارواحهم ومصالحهم الشخصية، لم تكن قضيتهم الوطن، ولما وضعت الثورة أوزارها بدأوا فى الانسحاب عنها والخروج من عباءتها طالما اطمأنوا على مصالحهم!
من فاروق ملكا حتى الجاسوس مرسى رئيسا.. لم يستطع حاكم مصرى أن يمس منظومة الدعم على فسادها،  وتضخمها،  حتى أصبحت عبئا وعائقًا أمام أى إصلاح اقتصادى حقيقى، له تأثيره السلبى على الخدمات المقدمة للمواطن وتلتهم الجزء الأعظم من الموازنة ولم تعد تصل إلى مستحقيها وبها اتسعت رقعة عجز الموازنة بما يفوق ثقب الأوزون وكان الاستمرار على نفس المنوال مصيره سقوط مصر واحتلالها اقتصاديا وسياسيا للأبد تحت وصاية صندوق النقد الدولى.
كرة النار العابرة للأزمنة والرؤساء التى اكتفى الجميع بتصديرها أكبر حجما لمن يليه لم تجد صدرا شجاعا يستقبلها ويعالجها إلا عبدالفتاح السيسى فنفخ فيها من شعبيته غير عابئ من تراجعها.. فمن تشجع وانحاز لشعبه ووطنه أمام العالم فى 30 يونيو لا تعنيه شعبية مؤقتة أو كلمات إشادة للاستهلاك الشعبى لن تبقى ولا تذر!
تحليل سياسى يعوزه الدقة والموضوعية والمعايير العلمية، تلك التى تفصل بين نجاحات السياسة الخارجية وحسن إدارة العلاقات الدولية للبلاد وبين الوضع فى الداخل ومعايير قياس الشعبية المكذوبة.. التحركات الخارجية تصد عن الداخل كثيرًا من المؤامرات والمخططات وتنعكس على الاستقرار داخليا وتجذب الاستثمارات الأجنبية، ومن ثم لا فصل بين الأمرين حتى وإن كان لا يمكن قياسها رقميا مثلها مثل النجاحات الأمنية تشعر بها وتلمسها دون وجود معيار رقمى لها أيضا.
الرئيس - أى رئيس - لا يمكن الحكم عليه وعلى نجاحاته وصحة قراراته وصواب رؤيته والاستفادة من إنجازاته إلا لما يغادر كرسى الحكم وتتكشف الصورة كاملة أمام الشعب وهو ما يفسر جيلا بعد جيل الحنين إلى الماضى وإعادة تقييم الرؤساء السابقين بمن خرج الشعب عليه فى يناير وإنصافهم بعد حين.
مع كل قرار يتخذه الرئيس أو حتى الدولة تخرج علينا من الشقوق الإعلامية والزوايا الصحفية تحذيرات ظاهرها الرحمة والتأييد وباطنها مدفوع الأجر لأصحابها تخص شعبية الرجل حتى إن خلقوا منها فزاعة بهدف تكتيفه عن اتخاذ القرارات وممارسة مهام عمله التى بالضرورة تمس مصالحهم لكنها تحقق مصالح الملايين الغفيرة من الشعب.
أعلم أن قضية الشعبية تجاوزت شخص الرئيس إلى شعبية المشروع الوطنى المصرى فى مواجهة مشروعات الفوضى وجماعات الاسلام الراديكالية وهو ما يضفى أعباء على الرجل، وهى البالونة التى ينفخ فيها البعض، مستغلين قرارات من نوعية تحرير سعر الصرف، مرورا بقرارات استرداد أراضى الدولة المنهوبة وصولا إلى اتفاقية ترسيم الحدود تجدهم حاضرين ومحذرين ومروجين لانخفاض الشعبية المزعومة.
حقيقة الأمر أنه لا مقياس حقيقى ولا معايير علمية لقياس الشعبية صعودا أو هبوطا لدى هؤلاء، لا يتجاوز الامر لديهم سوى جلسات المقاهى والمصاطب،  فلا يمكن أن تعول عليهم فى تحديد مزاج الشعب المصرى الذى يطل عليهم فى كل مرة على عكس توقعاتهم أو كما كانوا يتمنون.
من يقترب من دائرة وعقل عبدالفتاح السيسى يعلم جيدا أن الرجل يتخذ القرار الأصوب والأصح لمصلحة البلاد والعباد دون النظر لحسابات ضيقة تخص الشعبية،  يعلم أن التاريخ سينصفه،  وإن لم ينصفه فإنه يرضى ضميره ويخلص فى مهمته مؤديا الامانة على أكمل وجه.
السيسى يمارس عمله كرئيس وحاكم بما يرضى الله ويحترم الدستور، وهو ما قد ينعكس على معايير الشعبية، خصوصا أنه لم يخادع أو يهادن الجماهير بخطابات تدغدغ المشاعر وتسقط الأوطان واتخذ من المصارحة والمكاشفة والمواجهة استراتيجية لا يحيد عنها وهو ما قد لا يعجب البعض، لكن المؤكد أننا أمام رئيس استثنائى ومهما قيل عن شعبيته صعودا أو هبوطا، فالمؤكد أن التاريخ لن ينسى فترته وسيذكرها بكل خير.
الخلاصة.. لا كرامة لنبى فى وطنه ولا شعبية لرئيس ناجح وفاعل فى فترة حكمه.