الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
هل سخرت من الجيش اليوم؟!

هل سخرت من الجيش اليوم؟!






لما وقعت نكسة يونيو 67 شرع الموساد الإسرائيلى فى تنفيذ أخطر وأكبر مشروع حرب نفسية تحت عنوان «تحقير  الجيوش الوطنية» وكان التطبيق الأول لها على الجيش المصرى – عدوه التاريخى- وساهم فى ترويجه وقتها آلة اعلامية ووسائل الاتصال الجماهيرى المتاحة فى ذلك الوقت، عبر نشر صور لجثث الجنود المصريين متناثرة ومترامية على أراضى سيناء وأخرى للأسرى المصريين وثالثة للسلاح المصرى بعد تدميره على طول الجبهة ورابعة بالنكتة والسخرية المهينة.
شارك فى بناء تلك الصورة الذهنية السلبية للجيش المصرى حينها تنظيم الإخوان حتى إن قادته راحوا يروّجون النكسة باعتبارها انتقامًا إلهيًا من عبدالناصر الذى كان قد أوشك على القضاء على الجماعة تمامًا.
كان الهدف إظهار الجيش عاجزًا غير قادر على حماية وطنه وشعبه وسلاحه، والنزول بمعدلات الروح المعنوية للمجند المصرى إلى درجة التجمد، ومن ثم تصبح قدرته على إعادة بناء الجيش والعقيدة للقتال معدومة.
جرت مياه كثيرة تحت الجسور منذ انتصار اكتوبر 73 عسكريًا وحتى 11 فبراير 2011 بعد تنحى مبارك ليتوقف هتاف «الجيش والشعب إيد واحدة» ويتصاعد هتاف «يسقط حكم العسكر» فى إشارة إلى بدء المرحلة الثانية من المخطط التى تستهدف الجيش الوطنى مباشرة ثم تعاد صياغة شعارات يناير ليتمدد هتاف «إسقاط النظام» ليس إلى نظام مبارك فحسب بل إلى نظام يوليو بأكمله!
تتابعت الأحداث التى تحاول فرض الجيش المصرى كبطل شرير لمشاهدها البائسة عبر عدة نقاط:
١- الحملة ضد المجلس العسكرى لتسليم السلطة فورًا
٢- المطالبة بمحاكمات لقادة المجلس العسكرى.
 ٣- دعوة الجيش للعودة للثكنات
٤- التعدى على الجنود فى ماسبيرو
٥- اتهام الجيش بالقتل فى استاد بور سعيد
٦-حصار وزارة الدفاع
٧- المطالبة بميزانية معلنة للجيش
٨-دعوات إلغاء التجنيد الإجبارى
٩-إلغاء القضاء العسكرى
١٠-اتهام الجيش بالتواطؤ مع الاخوان
تجلت تلك الإجراءات فى حملة ممنهجة وممولة عنوانها «عسكر كاذبون»!
 فور تولى السيسى مسئوليته كوزير للدفاع قام بمهمة عظيمة لانتشال القوات المسلحة من الفخ «الإخوانى - الأمريكى» المنصوب لها خلال فترة وجيزة لم تتجاوز عاما عبر عدة خطوات:
- سحب الجيش من الشارع بعد ملاحظة أنه نتيجة احتكاكه بالمدنيين وجود مظاهر من عدم الانضباط العسكرى.
- عمل سريعًا على إعادة بناء الصورة الذهنية للقوات المسلحة بعد حملات تشويهها على أيدى الإخوان وعملاء الأمريكان وتغيير الزى العسكرى.
- إعادة بناء العلاقة الجيدة بين الجيش والشرطة وظهر السيسى واحمد جمال وزير الداخلية وقتها متشابكى الأيدى فى الندوات التثقيفية التى عقدتها القوات المسلحة وتكرر المشهد نفسه مع محمد ابراهيم بعد مجيئه بديلا لجمال الدين.
فكان التقرير الأول الصادر عن المخابرات الامريكية بعد 3/7 /2013 ان تضمن العبارة الآتية «الوضع المؤسف الناشئ عن توحد الجيش مع شعبه» وتساءل التقرير نفسه : كيف أمكن عودة الشرطة لميدان التحرير بعد عامين فقط؟! .. فكان الهدف الأكبر لهم اسقاط وتفكيك الجيش المصرى كنظرائه فى الدول التى شهدت أراضيها «الربيع العبرى» وإن تعاظم الهدف مع الجيش المصرى لكونه الأكبر والأقوى والوحيد الذى حقق انتصارًا على إسرائيل وعلى السلاح الأمريكى الغربى!
بعدها تصاعدت الحملة ضد الرئيس باعتباره أحد رموز المؤسسة العسكرية بالتوازى مع استهداف مباشر للمؤسسة نفسها فى محاولة لتوريط الجيش مع شعبه!! ورسم صورة لجيش تخلى عن دوره وراح يمارس البيزنس المدنى بسطوة الآلة العسكرية ليحتكر ويراكم الثروات دون حسيب باعتباره قد ترك مهمته الرئيسية فى الدفاع وتفرغ لقطاع الأعمال ليزاحم شعبه فى قوته ومكسبه وفرص عمله!
الهجوم على الجيش والسخرية منه هدفه إجباره على الانسحاب من المشهد ليتحول إلى كيان قوى الشكل لكن منسحب إجرائيًا لتبدأ بعد ذلك خطة تفكيك الجبهة الداخلية.
إذن الأمر يتعلق  بصدام المصالح  الذى يتجلى بوضوح بين رجال اعمال تحولوا لمراكز قوى بعدما تسلحوا بالقنوات والصحف وحصلوا أيام مبارك على كافة التسهيلات والقروض والأراضى والمنح والإعفاءات الضريبية فلم يقدموا زراعة ولا اقاموا صناعة، وساهموا فى تطور السلوك الاستهلاكى لدى المواطن وأوهموه بحلم الثراء السريع، ثم راحوا يحرضون ضد النظام الذى راكموا الثروات فى سنوات حكمه بعدما تورطت صحفهم وقنواتهم فى أجندات أجنبية واتسعت اتصالاتهم بالسفارات المجاورة والبعيدة.
استولوا على أموال الشعب وتاجروا فى قوته ومستقبله وصحته ثم وجدوا الجيش المصرى أمامهم يمارس دوره المدنى بقواعد الانضباط العسكرى فتبددت أحلامهم فى استكمال الإثراء بلا سبب بعدما قرر الجيش المصرى إعادة استثمار الفرص والموارد التى أضاعوها لسنوات طويلة.
عملية استدراج الجيش المصرى إلى مساحة بيزنسهم غير الشريف والدفع بعناصر مأجورة للسخرية منه من نشاطه المدنى الوطنى تتم على قدم وساق فى صراع معلن بين جيش وطنى ينجز ويبنى ويحفظ المال العام ويعيد تقديمه لشعب يثق فى جيشه، لوبى من رجال الأعمال يتعامل  مع الوطن ومقدراته باعتباره تركة لا تنضب وتتوارثها الأجيال المتعاقبة لعائلات معروفة تطابقت أجندتهم مع قوى غربية اطلقت أذنابها وجيشها الجرار من الخونة الذين استطاعت تجنيدهم فى حملة الهجوم والسخرية من الجيش ومن ثم تحقيره فى عيون شعبه.
فأحدهم مثلًا سعى لتطوير بيزنسه الخاص من خلال مشروعات يشرف عليها الجيش فلما لم يجد مكانًا لألاعيبه وسط الانضباط العسكرى راح يهاجم الجيش سرًا وعلانية والآن يسعى لافتتاح فرع لمكتب استشاراته الهندسية بسوريا بالتنسيق مع جيش أجنبى ليضمن نصيبه فى إعادة الإعمار كما لو ان جهازًا اجنبيًا أشار له ان ملفات الإعمار باتت جاهزة!
آخر أجرى حوارًا فى صحيفته محذرًا من منافسة الجيش للقطاع الخاص ونسى التحذير من منافسة لوبى البيزنس للمواطن فى قوت يومه ومستقبل أبنائه وهو نفس الشخص الذى تكسب مبالغ طائلة من اعادة إعمار العراق بالتنسيق مع الجيش الأمريكى، وثالث راح يهاجم الجيش فى جلساته الخاصة بعدما أحكمت الدولة قبضتها على عمليات التنقيب عن مصادر الطاقة فلم يعد بمقدوره ممارسة فساده الممنهج!
 الصراع إذن بين قوى تتاجر فى الأوطان وتتكسب منها ثم تلعن الأنظمة التى تركتها تنهب الثروات وبين جيش قرر ممارسة دوره الوطنى باعتباره أمينًا على الوطن.. شعبًا وإقليمًا وثروة.