الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
السلاح السرى!

السلاح السرى!






هل أتاك نبأ الشهيد «شويقة»؟.. إنه حى يرزق عند عزيز مقتدر، رجل يخشاه الموت حين أتاه، هرول تجاهه ليقبض بذراعيه عليه، ويقبض روح الموت بنفسه، البدلة العسكرية والعقيدة القتالية كافيتان أن تحوله إلى إنسان خارق، وصاحب إيمان راسخ وكأنه بطل يطل علينا من أساطير الأولين.
لم تعرف الدنيا وحكايا البطولة ثباتا وإيمانا على مرمى لحظات من الموت كما هو الحال مع شهيد الصاعقة «أحمد المنسى» مع رجاله وهو يهتف متمسكا بسلاحه وأرضه «الله أكبر» مقبلا على الرحيل من دنيانا الفانية مختزلا شريط حياته وأمنياته تاركا خلفه أسرته ومحبيه ولا يرى نصب عينيه سوى هدف واحد «النصر أو الشهادة».

للعسكرية المصرية شرف لا يعيه معدومو الشرف من أمثال «تميم» وحظيرته.. حتى بين الجيوش المتحاربة هناك قواعد ونظم تحترم بين المنتصر والمهزوم.. لا تجوز فيها الإهانة حتى للأسرى.. فعقيدة الجيش القتالية ومعنوياته هى نقطة الحسم والفيصل فى صنع المعجزات على أرض المعركة وبها نسد فجوة فوارق التسليح والإمكانيات.

لا أعترف بتصنيفات الجيوش.. هى ليست منتخبات كروية، ولا أموال تنفق  وتسليح يخزن ومعدات وآليات تصنع، قبل كل ذلك هى فرد مقاتل، وقلب ميت، وعقيدة لا تتزعزع، وإيمان بالقضية.. وقضيتنا الوطن.

لا يهمنى أن نكون فى تصنيفهم الأول أو العاشر أو حتى المليون، ما أعرفه عن تجربة وخدمة عسكرية شرفت بتأديتها، ننا نملك سلاحا سريا لا تنتجه مصانع أمريكا ولا تكنولوجيا روسيا ولا عقليات فرنسا!

سلاح من كلمتين «النصر أو الشهادة».. أقوى من عابرات القارات، وتلك الأسرع من الصوت وأشد فتكا من النووى.. سلاح يلخص تجربة الجيش المصرى المنتصر - هذا هو لقبه - فإن لم نحقق نصرا نفوز بالشهادة، وفى كلتا الحالتين نصر.
بحساباتهم لا مقارنة تذكر بين سلاح الصهاينة وما فى أيدينا من خردة عسكرية أغلبها خدمت فى الحرب العالمية الثانية، بنفس الحسابات لم يكن أن تشن مصر حربا لتحرير أرضها وتحريك قضيتها.
أما بحساباتنا كان المجند المصرى أقوى من اليد الطولى الإسرائيلية وفدائيته أقوى من مدرعاتهم، وإيمانه بوطنه وربه زلزل برليف وأسقطه على رءوسهم.
العقيدة التى تجعلك إذا أتتك الطلقة غدرا من ظهرك، أن تلتف لتأخذ وسام شرفك برصاصة فى صدرك، حاشا لله أن يقال إن جنديا مصريا مات مقتولا من ظهره خائفا أو هاربا.

ففى صحراء العلمين ظهرت على الخريطة المصرية أول قاعدة عسكرية متكاملة فى الشرق الأوسط مملوكة لدولتها (قاعدة محمد نجيب)، أى أن هناك قواعد مماثلة فى المنطقة ونعلمها جميعًا، لكنها ليست ملك الدول، التى تقام على أراضيها، ولا سيادة لهذه الدول عليها.

والصحراء الغربية منطقة عمليات عسكرية تشهد على مدار العام أعمال تدريب للقوات المسلحة للتأمين والحماية، وتشهد كذلك عمليات تدريب مشتركة سنويًا أو كل عامين تنفذها تشكيلات المنطقة الغربية العسكرية المنوط بها توفير التأمين والدفاع للحدود الغربية بالكامل، وما أدراك ما الحدود الغربية اليوم وغدًا، وماذا تخبئ من ورائها، لكن المؤكد أننا نعلم ما يجب أن نفعله على أراضينا وعلى امتداد حدودنا للدفاع عن بلادنا ولتأكيد سيادتنا على أراضينا وفقًا لمقتضيات الأمن القومى المصرى، وهو الدور الذى تضطلع به بكل كفاءة ومسئولية قواتنا المسلحة ومقاتلوها البواسل من ضباط وجنود وضباط صف.

فالجيش المصرى كان دائمًا وسيظل أبدًا درع مصر وحصنها الواقى عبر الأزمات والمحن، وعلى مدار التاريخ كان للجيش المصرى دوره الوطنى فى حماية دعائم الدولة. فجاءت ثورة 23 يوليو عام 1952 بمبادئها وأهدافها، التى كان من بينها إقامة جيش وطنى قوى يحمى أركان الدولة المصرية، ويحمى ترابها المقدس، وهو ما أكده نصر أكتوبر المجيد عام 1973، وكان من أبرز الدروس المستفادة منه أن السلام يبنى على أسس راسخة من القوة والعدل، فلا يوجد سلام بغير قوة تحميه.

وفى أعقاب عام 2011 وما صاحبها من مظاهر الفوضى المدمرة، التى طالت العديد من دول المنطقة وتنامى ظاهرة الإرهاب وانتشار التنظيمات المسلحة التى باتت تهدد الأمن والاستقرار لكل شعوب المنطقة، كان للجيش المصرى بتماسكه وتلاحمه بأبناء الوطن الدرع القوية، التى حافظت على بقاء الدولة المصرية فى مرحلة هى الأصعب فى تاريخ مصر الحديث، وما لبثت أن استتبعها ثورة شعبية فى 30 يونيو 2013، استطاع خلالها الشعب المصرى بدعم من قواته المسلحة فك ارتهان الدولة المصرية بقيمها وتاريخها الحضارى من جماعات الإرهاب، التى استطاعت خلال عام واحد أن تبث سمومها وتشيع الظلام والألم فى أوصال الدولة المصرية.

القوات المسلحة تدرك حجم التحديات والتهديدات المحيطة ليس فقط بالأمن القومى المصرى، بل بوجود مصر وكيانها، فالمعركة الآن معركة وجود وما يجرى من ضربات ومحاولات عدائية على الحدود أو عمليات إرهابية هنا أو هناك هدفها الأساسى إسقاط هذا الكيان الهائل والكتلة البشرية الصلبة وإخضاعها لنظرية التفتيت والتقسيم التى نجحت مع غيرنا فى المنطقة العربية، لكنها تعثرت ووقفت لأن مصر (المحور الرئيسى والعمود الفقرى للمنطقة) لم يسقط.

عود على بدء.. ننعش ذاكرة المجد بما فعله «شويقة» حين ضحى بنفسه وجرى للموت بالأحضان وفدى بجسده ونفسه زملاءه ووحدته من عملية غادرة، ليختلط دمه المقدس بتراب الوطن، ويخلد اسمه وبطولته ضمن سجل له أول وليس له آخر، لحقه البطل «منسى» رابط الجأش وسط ما تبقى من جنوده فى صد هجوم تتارى حتى آخر طلقة وآخر نقطة دم.

بهذا الشعب وهذا الجيش وهذا السلاح السرى وهذه العقيدة الخالدة.. مصر باقية من قبل التاريخ، وحتى آخر التاريخ، هذا وعد الله، صدق وعده.