الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الشيخ كشك وأم كلثوم»

«الشيخ كشك وأم كلثوم»






أمريكا غزت عقول أطفال العالم بالمسلسل الكرتونى «توم وجيرى».
صراع بين القط (توم) والفأر (جيرى)، وهى من ابتكار وليم حنا وجوزيف باربيرا عام1937.
أمريكا غزت العالم بأبطال خارقين، وهوليوود ترسم صورة لنفسها على أنها منقذة البشرية، صنعت لنفسها قوة ناعمة من لا شىء.
المدهش أن الفراعنة أول من اخترع توم وجيرى قبل أكثر من 3300.
جدران المعابد والبرديات بها العديد من الحكايات عن الصراع الدائم بين القط والفأر.
المدهش أكثر أننا نتخلى ببساطة شديدة عن قوتنا الناعمة، بل نسخر منها، ونهدمها أحيانا.
مفهوم القوة الناعمة ابتكره الباحث والأستاذ فى جامعة هارفرد، «جوزيف س. ناى» فى تسعينيات القرن الماضي، سلط فيه الضوء على قدرة بعض الدول على استثمار عناصر الجذب الحضارية والثقافية، بهدف الاقناع ونشر الدعاية والفكر الوطني؛ عبر الآداب والفنون، وأحيانًا عبر الدبلوماسية الرشيقة.
بالمناسبة «جوزيف س. ناي»، كان المساعد لوزير الدفاع للشئون الأمنية الدولية فى حكومة الرئيس الأمريكى بيل كلينتون، وكتابه «القوة الناعمة» يدرس فى العديد من المعاهد والأكاديميات الدولية.
نهاية العام الماضى ولمجرد تصريح من وزير التربية والتعليم التونسى «ناجى جلول»، قال فيه إن بلاده تفكر فى تغيير اللغة الأجنبية الأولى من الفرنسية إلى الإنجليزية، قامت الدنيا، ندوات ومحاضرات وبيانات فى باريس وتونس!
لم يدم تصريح ناجى جلول أكثر من 24 ساعة حتّى دخلت باريس ومعها السفارة الفرنسية بالعاصمة التونسية على الخط، لقاءات فى كل مكان خوفا من قرار لم يصدر.
باريس، تعلم جيدا أن الصورة الذهنية العالقة فى عقول العالم جزء منها اللغة، إضافة الى الأزياء والبرفيوم، والمطبخ الفرنسى.
تتعامل باريس مع مسألة اللغة كمسألة مصيرية وحيوية، تتعامل معها كقاطرة وجودية لقوتها الناعمة ولامتداد نموذجها الحضارى ضمن المسار الإنسانيّ.
ما فعلته باريس يتكرر فى بلاد كثيرة، الحفاظ على قوتك الناعمة، هدف قومى ووطنى كبير.
والحقيقة أن مصر فى فترة الستينيات كانت قبلة الحضارة والثورة والسياسة والفن والمسرح والأدب والثقافة وحتى الرياضة.
 ومازال الفنان العربى يولد جماهيريا، حين يغنى أو يمثل فى القاهرة.
لكن قوتنا الناعمة هذه ضاعت بسهولة شديدة، تخلينا عنها، وتعمدنا إهانتها.
ضرب القوة الناعمة المصرية، ليس جديدا، اطلاق الرصاص على قوتنا الناعمة بدأ مبكرا، عندما سمحت الدولة للشيخ عبدالحميد كشك مثلا بإهانة «أم كلثوم» والسخرية منها فى شرائط الكاسيت والتى كان يطبع منها الالاف وعظاته فى الشوارع.
الدولة لم تحم تراث سيدة الشرق، وتركت «كشك» يقول عنها : امرأة فى الستيينات من عمرها وتقول خدنى فى حنانك خدنى..ويكمل أخدك المولى.
ظاهرة «كشك» طالت كل الرموز المصرية، سخرية من أنيس منصور، مطلقا عليه « إبليس مسطول» ومن عادل إمام، قائلا الحمد لله ربنا أعطانا عادل إمام بدلا من إمام عادل، ومن محمود الخطيب وغيرهم الكثيرون.
المثير حقا أن أحدًا لم ينتبه أنه كى ينتقد «كشك» كل هؤلاء فهذا يعنى أنه يتابعهم بدقة ومعجب بهم فى جزء من عقله الباطن.
ظاهرة «كشك» لم تقف عند حد، بدأنا جميعا نهيل التراب على أى من رموزنا، نتصيد لهم الأخطاء، وشاركت الدولة بقوة بتخليها عن الإنتاج السينمائى على سبيل المثال، فاختفت أى قيمة حقيقية للمجتمع المصرى.
تخلت عن عمليات الترجمة، تخلت عن مسرح التليفزيون، تخلت عن الدراما والغناء، باختصار ساهمت بقوة فى ضياع قوتها الناعمة.
وما الحل، من الصعوبة أن نعيش على اجترار الذكريات وقتا طويلًا، ومن المستحيل إقناع الناس بقيمة بلدك التاريخية والحضارية، بعد أن سقط منها الكثير من الأوراق والمعالم والحصون.
استعادة القوة الناعمة لا بد أن يكون مشروع قوميًا متكاملًا، لاتقوم به الدولة وحدها، بل هناك دور كبير لا بد أن يساهم به القطاع الخاص، خاصة فى مجالات الإنتاج الفنى والأدبى، وأيضا منظمات المجتمع المدنى، والاتحادات والجمعيات النوعية مثل اتحاد الكتاب العرب وغيره من المنظمات التى تمارس نشاطها من القاهرة.
الخطوة الأولى فى إحياء القوة الناعمة المصرية تتطلب تشكيل مجلس من مختلف مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى بالإضافة لأصحاب العلم والخبرة من كل المجالات، ويكون دورها وضع توصيات وخطة عمل وخارطة طريق تسير عليها الدولة بكاملها.