عبده الزراع
نزار قبانى.. ومعارك لا تنتهى (1)
لم أجد شاعراً فى العصر الحديث أثير حوله الجدل مثلماً أثير حول الشاعر الكبير الراحل نزار قبانى، الذى ملأ الدنيا شعراً وحباً ومعارك، وقد اختلف النقاد والجمهور حول توجه أشعاره كونه اتخذ من المرأة عالماً يصوغ من خلاله القصائد، لكن لم يختلف أحد على شاعريته الفذة، ورؤاه الخاصة، ومواقفه الناصعة، فمن قرأ نزار بتأن يكتشف أنه أمام مشروع شعرى كبير ومختلف من حيث التناول والأسلوب، وإن كان اشتهر بأشعاره العاطفية الجريئة التى تخوض فى أدق تفاصيل جسد المرأة، لتعريه من كل أسراره، ليصبح جسداً مباحاً للقراء، حتى سمى بشاعر المرأة، وقد أنكر هذه التسمية ورفضها، لشعوره بالغبن وعدم تقدير مشروعه الإبداعى حق قدره، فقصائده السياسية لا تقل أهمية وشاعرية عن قصائده الأخرى، فقد كان جريئاً فى تناولها مثلماً كان جريئاً فى تناول جسد المرأة، وكان إبداء رأيه فى أى قضية لا يحركه فى ذلك سوى ضميره الإبداعى وإيمانه المطلق بما يقول، وقد جرته جرأته إلى العديد من المعارك التى كان يخرج منه دائما منتصراً.
وكما تقول الكاتبة نوال مصطفى فى كتابها «نزار وقصائد ممنوعة» كما جاء فى مجلة آخر ساعة: إنه خرج من كل أزمة منتصراً، ومن كل كمين محمولاً على الأكتاف، ومن كل قهر أو قمع أو ظلم، أقوى وأنضر. وأكثر قدرة على العطاء الفنى الإنسانى الجميل، وتحدثنا عن قصيدته المعروفة «هوامش على دفتر النكسة والأزمة التى تعرض لها من جراء هذه القصيدة وأن عبد الناصر هو الذى حماه، وهو القائل: «إذا صرخت فى وجه العالم العربى هذا الصراخ الذى وصل إلى حد الهمجية، فلأن الإنسان لا يصرخ عادة إلا حينما تكون مساحة الجرح، أكبر من مساحة الطعنة، وكمية دموعه أكبر من مساحة عينيه».
إنها تورد الرسالة التى أرسلها الشاعر الكبير إلى الرئيس جمال عبد الناصر، ورد فعل هذه الرسالة على الرئيس الذى لم يكن قد قرأ الرسالة إلا من خلال النسخة التى أرسلها له الشاعر، وأمر الرئيس يومها أن تلغى له التدابير التى قد تكون قد اتخذت خطأ بحق الشاعر ومؤلفاته، ويطلب من وزارة الإعلام السماح يتداول القصيدة ويدخل الشاعر إلى مصر متى أراد ويكرم فيها كما كان فى السابق. ويقول نزار: لقد كسر الرئيس عبد الناصر بموقفه الكبير جدا، الخوف القائم بين الفن وبين السلطة، وبين الإبداع وبين الثورة، واستطاع أن يكتشف بما أوتى من حدس وشمول فى الرؤية أن الفن والثورة توأم سياسى ملتصق.. وحصانان يجران عربة واحدة.. وأن أى محاولة لفصلها سيحطم العربة، ويقتل الحصانين!.
وتورد القصيدة التى أحدثت كل هذا الدوى، لأنها كانت بمثابة (جلد الذات) عقب هزيمة يونيو، وإلقاء الضوء على تخلفنا العربي، وعن الأسباب التى أودت بنا إلى هذه الهزيمة، والتى يقول فى مطلعها:
أنعى لكم: «يا أصدقائي، اللغة القديمة، والكتب القديمة/ أنعى لكم: كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة/ ومفردات القهر، والهجاء والشتيمة/ أنعى لكم.. أنعى لكم/ نهاية الفكر الذى قاد إلى الهزيمة».
هذا هو الشاعر الكبير نزار قبانى الذى ما يلبث أن يخرج من معركة ليدخل فى غيرها، غير مبال بالعواقب لأنه مؤمن بأن الكلمة باقية أما الجسد ففان






