الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نزار قبانى.. ومعارك لا تنتهى (2)

نزار قبانى.. ومعارك لا تنتهى (2)






كان الشاعر الكبير الراحل نزار قبانى لا يكف عن المعارك الأدبية والنزال، وما إن ينتهى من معركة حتى يدخل فى أخرى، مثلما يفعل الفارس الشجاع أثناء خوض المعارك، ولا يمنعه شىء فى أن يبدى رأيه بقوة وجسارة فى أى قضية أدبية أو سياسية، بل يعلن رأيه دونما مواربة، ولا يضع فى حسبانه سوى أنه يعبر عما يجيش فى نفسه، ويؤمن به.
ومن أشهر المعارك التى خاضها نزار معركة قصيدة (المهرولون) التى كتبها كرفض وشهادة له على ما حدث ويحدث فى عملية السلام، ويوم نشرت هذه القصيدة أحدثت ردود أفعال قوية بين مؤيد لها ومعارض، تقول القصيدة»
«سقطت آخر جدران الحياء/ وفرحنا/ ورقصنا/ وتباركنا بتوقيع سلام/ الجبناء/ لم يعد يرعبنا شىء/ ولا يخجلنا شىء/ فقد يبست فينا عروق الكبرياء/ سقطت/ للمرة الخمسين – عذريتنا/ دون أن نهتز.. أو نصرخ/ أو يرعبنا مرأى الدماء/ ودخلنا فى زمن الهرولة/ ووقفنا بالطوابير، كأغنام أمام المقصلة/ وركضنا.. ولهتنا/ وتسابقنا لتقبيل حذاء القتلة».
 وقد أعدت مجلة روز اليوسف فى عددها رقم (3514) الصادر فى (16/10/1995) ملفاً احتوى على القصيدة، والسجال القوى الذى دار رحاه بين نزار قبانى وعميد الرواية العربية نجيب محفوظ، حينما أبدى وجهة نظره فى قصيدة (المهرولون) وقت نشرها واصفاً إياها: «بأنها قصيدة قوية جداً، وقنابل تفرقع فى عملية السلام، من دون تقدم بديلاً عنها».. وأضاف فى تصريح لجريدة «الحياة» الصادرة فى لندن بعد أن نشرت القصيدة: «لقد أعجبتنى رغم اختلافى السياسى معها.. إننى لا أنفى إعجابى بها، ومن يشارك نزار قبانى موقفه، سيجد فيها تعبيرا قوياً عن هذا الموقف، لكنه موقف يبدو أضعف من القصيدة بكثير، قصيدة قوية.. وموقف ضعيف».. وأبدى محفوظ تقديره لما حوته القصيدة ضمنا من نداء للعرب بأن يهبوا، واعتبر ذلك أملا نتطلع إليه جميعاً، لكنه رأى أن هذا لا يكفى من دون طرح بديل لما يجرى فى عملية السلام، وأعرب عن عدم اقتناعه بأن هذا البديل هو أن نوقف هذه العملية، و«نقعد ساكتين»، ملاحظاً أن نزار قبانى لم يقل إنه مع الحرب، ولم يقدم أى بديل.
 قال: نعم.. فى مثل هذه المواقف لابد من تقديم البديل، ولا يكفى أن يهاجمهم لأنهم يهرولون ويلهثون، ويقبلون حذاء القتلة، ويفرطون فى كل شىء، فالأهم أنه يقول لهم ماذا يفعلون.. وقال: أعرف أن هناك من يرفضون السلام فيما لا ينادون بالحرب، ولا يقدمون خياراً ثالثا، فماذا يفعل هؤلاء المتهمون بأنهم يهرولون؟. هل يجلسون ساكنين بلا فعل؟ وإذا كان البديل هو الانتظار السلبي، فإن الطرف الآخر لا ينتظر أحداً، وإنما يمضى فى ابتلاع الأرض.. وفى الحلقة الأخيرة سوف نورد رد نزار قبانى على عميد الراوية العربية نجيب محفوظ، والذى جاء عنيفا وقويا وجارحا، لكنه مقنعا وحاسما فى الوقت ذاته.