الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الدولة الوطنية

الدولة الوطنية






على مرأى ومسمع من العالم وقف الرئيس يوم ٢٠ سبتمبر على منصة الأمم المتحدة وبعدما استعرض الأزمات والكوارث والصراعات الدائرة إقليميا ودوليا، وبعد أن واجه المجتمع الدولى بمسئولياته، أعلن بوضوح أن المخرج الوحيد من الأزمات التى تعانيها المنطقة العربية هو التمسك بإصرار بمشروع «الدولة الوطنية الحديثة» التى تتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو القبلية، ثم أكد أن طريق الإصلاح يمر بالضرورة عبر الدولة الوطنية.

الكلمة شديدة العمق إلا أنها تكشف عن منهجية التفكير وعن حجم الرؤية التى يحملها الرجل منذ البداية.
 الرئيس ألقى كلمته فى مواجهة المجتمع الدولى قاصدا ما يعنى، كان قاصدا تأكيد الحقائق التالية:
■ مصر قادرة على صيانة وحدتها وهويتها.
■ مصر قرينة التاريخ عصية على محاولات التفكيك.
■ مصر شعبا وقيادة تدرك تماما زيف الغطاءات الثورية التى منحت لمخططات فوضوية لتفكيك المنطقة.
■ مصر بلد اللاطائفية واللا مذهبية واللا عرقية واللا قبلية.
■ ثورة ٣٠ يونيو هى حقا ثورة الدولة، وهى ثورة إنقاذ بقاء الدولة.
وبينما كان الرئيس يلقى كلمته مستندا إلى رصيد الكبرياء المصرى كانت دعوات الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن الدولة العراقية تسيطر على الساحة الدولية والإقليمية، ليفرض مخطط الفوضى أولى خطوات مشروع التفكيك واقعا حقيقيا على أرض العراق.   السودان تم تقسيمه وها هو العراق فى الطريق، وسوريا وليبيا واليمن على حافة الهاوية، ولازال المزايدون ينكرون المؤامرة إما عن جهل أو عن تجهيل متعمد للمجتمعات والشعوب، لكن الحقيقة الدامغة أن المؤامرة قد اكتملت لتدخل المنطقة العربية مرحلة المخطط المعلن، ومصر الوحيدة التى استطاعت تقديم نموذج أسطورى للصمود والتحدى لتضيف للإنسانية فصلا جديدا من فصول البطولة والشرف.
 المخطط يمضى على قدم وساق والدول تتهاوى أمامه ومصر وحدها تكشفه وتقدم صمودها دليلا عمليا على إمكانية المواجهة.
تذكروا فلسفة الدبلوماسية المصرية فى مواجهة الأزمة السورية، تذكروا بنود هذه الدبلوماسية المسئولة التى قامت على ما يلى:
■ وحدة الأراضى السورية
■ وحدة الشعب السورى
■ وحدة الجيش السورى
إيمانا بهذه الفلسفة تحملت مصر أثمانا إقليمية ودولية باهظة، تحملت ضغوطا مهولة، ومن غير المنصف أن تتألم مصر دون أن يكلف أحد نفسه حتى عناء سماع أنينها.
لكن إذا كان هناك من لم يدرك حجم مصر جهلا أو حقدا فإن مصر تدرك حجم نفسها وتتحرك بقيمة وقدر مسئولياتها التى يفرضها المكان والمكانة وفى كل مرة يثبت الواقع عمق الرؤية المصرية، فى كل مرة تثبت التجربة أن مصر دولة حقيقية لا تحكمها الأهواء والمصالح الضيقة، ولا يمكن أن تسيطر على دبلوماسيتها غرائز الانتقام أو شهوات المغامرة غير المحسوبة.      
فى هذه اللحظة الفارقة من عمر الوطن العربى وفى هذا الظرف الذى لن يمر إلا ومخططات التفكيك ستكون قد احدثت أثرها فى تمزيق الأقطار العربية، يكون علينا جميعا التوقف أمام السؤال الملح: لماذا تم تدعيم التنظيم الدولى الإخوانى لاختراق قلب الوطن العربى؟!
لتكون الإجابة دستور عمل وطنيًا ينبغى أن تتوارثه الأجيال لتحصين الأوطان من هذا المرض السرطانى الذى ضرب قلب الإسلام والأوطان بعدما أصبح هذا التنظيم هو أداة أجهزة الاستخبارات الغربية لتنفيذ مخطط التمزيق، ولم تجد الأجهزة ضالتها فى هذا التنظيم بالمصادفة بل إنها هى التى قامت بتصنيعه وتخليقه من الأساس لتحقيق هذا الغرض.
 لقد كان الدفع بهذا التنظيم إلى صدارة المشهد العربى مرتكزا على ما يلى:
■ التنظيم الإخوانى لا يؤمن بفكرة الوطن
■ التنظيم لا يُؤْمِن بالحدود ولا يعترف بها
■ التنظيم قادر على تقديم غطاء دينى زائف لتفكيك الأقطار بادعاء أنها يجب أن تذوب فى كامل الدولة الإسلامية الوهمية
■ التنظيم قادر على ترويج مشروع منسوب للإسلام يدعى تعارض الدولة الوطنية مع إتمامه
■ التنظيم له فروع بالعواصم المختلفة
من أجل هذا كان التنظيم الإخوانى ولا يزال يتلقى دعما ضخما ومستمرا لإتمام مخطط التمزيق. منذ البداية، ومصر تدرك حجم المخطط كما تدرك حجم قدرتها على إبطال هذا المخطط، لكن القدر فرض أن تكون المواجهة عبر الإرادة الشعبية التى استدرجت مؤقتا إلى مساحات من الخداع والتضليل نجحت الجماعة فى استثمارها وكادت أن تستدرج الوطن بأكمله إلى الانهيار الشامل لولا أن رجالًا ربط الله على قلوبهم ونجحوا فى كشف تلك الحقائق وإعادة ترميم الإرادة وتصويب مسارها نحو حفظ الوطن بعدما انكشف أن تنظيم الإخوان هو اللاعب الرئيسى لتنفيذ المخطط المدعوم ماليا ومعلوماتيا من أجهزة أجنبية متعددة.
التنظيم الذى يمارس خيانة الوطن كعقيدة راسخة باعتبار أن هذا الوطن وهذه الدولة الوطنية بحدودها الرسمية عقبة فى سبيل مشروع الدولة الإسلامية الوهمية. الآن هو الوقت المصيرى للتصدى لزحف هذا المخطط الذى لم يتوقف لكن منفذيه أدركوا تماما أن مصر هى العقبة الوحيدة لإفشاله، وبالتالى فإن على كل مواطن أن يدرك سبب وحجم الاستهداف الذى تتعرض له مصر، ومن المدهش أن تخوض الدولة المصرية حربا حقيقية دفاعا عن الإنسانية بينما المواطن يتم استخدامه دون وعى لابتزاز وطنه والضغط عليه وإشغاله عن معركته الأساسية، من المدهش أن يستمتع المواطن بحالة من التناسى المتعمد هروبا من المسئولية الواجب التصدى لها ليس دفاعا عن الوطن فقط بل عن نفسه وعن أبنائه وأحفاده، عن مصالحه الحالة والمستقبلية.
مصر التى وقف رئيسها معلنا أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم كان يعنى ما يقول، الآن وقد حصحص الحق، المواطن عليه أن يتوقف من أجل نفسه ومستقبل أبنائه وسلامة وطنه، عليه أن يحدد من الآن رئيسه القادر على استكمال النضال من أجل حفظ وطنه، ثم عليه أن يتحمل نتائج اختياره أمام الله والوطن وأبنائه، عليه أن يدرك أن رعاة المخطط لن ينسوا وقفة مصر الشامخة يوم ٣ يوليو التى كانت مصدرا لإلهام كل من يحاول إنقاذ وطنه فقدمت له مصر برهانا على أن هذا الحلم يمكن تحقيقه.