الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
جوستاف كليمت ما بين الحداثة والتجريد والبرى رافايللى

جوستاف كليمت ما بين الحداثة والتجريد والبرى رافايللى






كان البعض يتساءل فى عدة مناسبات فنية عن قضية شديدة الأهمية وهى هل من الممكن لأى فنان فى عصر ما أن يستنسخ جماليات أنواع فنية أخرى فى عصور مضت؟ وهل يستطيع أن يطور رؤيته الفنية من خلال هذا الطرح الفنى من الماضى؟
البعض يرفض هذا الخلط بين خطوط فنية قديمة وخطوط فنية أخرى حديثة، لكننا نؤكد أن النقاد الذين يؤيدون هذا الخلط كنوع من أنواع الفكر الحداثى الجديد أكثر من الذين يرفضون دمج الإطارين، أى الفنون القديمة مع الفنون المستحدثة.
الحقيقة أن الفنان الملهم هو الوحيد القادر على إدراك ماهية وطبيعة التقنيات الفنية فى عصور قديمة قد تباعد بينه وبين هذه العصور ربما مئات السنين ولأن القضية الفنية واحدة والاختلاف فقط يكون فى طريقة طرح هذه القضية سواء من الناحية التقنية أو من ناحية الإلهام إذًا على الفنان الحقيقى أن يجد الروابط بين ما يقدمه وبين ما كان يقدمه أسلافه من الفنانين فى أى حضارة كانت ولعل هذه السمة قد تقود الفنان إلى عدة نجاحات أهمها استخدام المنبع مع الاختلاف على حد تعبير هنرى رايت الناقد الشهير.
ربما تنطبق هذه المحاجة النقدية على الفنان النمساوى الرائع وصاحب التقنيات الفريدة جوستاف كليمت والذى يعرف بأنه فنان القرن الـ19 الدائم الانفصال عن جماعات الفن التقليدية وغير التقليدية، فأعمال كليمت تخبرنا انه كان مدرسة خاصة بذاتها وهذا ما أقر به معظم نقاد الحركة التشكيلية فى هذه الفترة بل ونستطيع أن نقول أن هناك مذهبا فنيا ينبع من أعماله لا يمكن أن نسميه بغير المذهب المختلط لأنه فى الحقيقة بالنسبة لأعمال كليمت هى خليط من عدة اتجاهات، فهى تستخدم البورتريه الكلاسيكى مع الوضعات الواقعية مع خلفيات بين الحرفية والتجريد لذلك فالكلام عن كليمت قد يطول ويحتاج لعدة مباحث لكننا سوف نحاول هنا أن نلخص اتجاه كليمت وقناعاته الفنية.
بداية فعصر جوستاف كليمت من الناحية الزمنية حرج ومتنوع فلقد عاصر نهاية «الروكوكو» مجازا والواقعية فى أوج مجدها وبدايات الحداثة والذى كان هو أحد أقوى إرهاصاتها دون أن يقصد ذلك بالفعل هذا من ناحية تنوع العصور والتقائها فى حياة كليمت أما من ناحية التقنية فلا يمكن أن نغفل أنه فى الأساس حرفى موهوب حيث كان والده وأخوه ارنست من كبار صاغة الذهب، بل لعل بدايات عمله الفنى معهم بشكل حرفى قد دفع به إلى الفن التشكيلى بعد أن صقلته تقنياته الحرفة ونحن نعرف أن حرفة صناعة الذهب وصياغته حساسة وبحاجه لموهبة.
صناعة الذهب التى عمل فيها كليمت بجانب أخاه ارنست مدة ليست بالقليلة بعد أن أنشأوا شركه لإنجاز بعض الأعمال الفنية التى أسندتها إليهم الحكومة النمساوية، وكان كليمت يقوم بتصميم وتنفيذ الشعارات والرموز وكان له باع طويلا فى ذلك حتى انه قام بمعظم الأعمال الحكومية الفنية فى هذه الفترة.
لكن موت أبيه وأخيه فى عام واحد 1892 دفع به لتنفيذ مشروعاته الفنية وبعد صداقه ربطته ب إيميلى فلوج والتى كانت ملهمته فرسم لها أشهر لوحاته (القبلة).
فى تحليل سريع لمعظم لوحاته نجد أن الوجه فى لوحات كليمت دائما هو إما «فكتورى» أو (برى رافايللى) حيث يتضح تأثره بمدرسة البرى رافايللى بشكل واضح حتى فى معظم وضعات الأشخاص مثل لوحة داناى الشهيرة والتى تشبه إلى حد بعيد لوحة النائمة لأعظم فنانين البرى رافايللى جابريل روستى ولولا خلفيات كليمت التى يستخدم فيها التزجيج التجريدى واللاهندسى كنا اعتبرناه فنانا ينتمى لمدرسة البرى رافايللى.
وبذكر خلفيات لوحات جوستاف كليميت والتى تميزه عن كل فنانى العالم علينا أن نؤكد أن وفاء كليمت لحرفته وحرفة والديه الأصلية وهى صياغة الذهب وشعوره بها كفن ورد إليه إلهاما خفيا جعلته يستلهم منها هذه الخلفيات فمعظم خلفياته هى خلفيات مزججة من تنويعات اللون الذهبى الذى لم يستخدمه قبله غير فنانى الأيقونات البيزنطيين لكنه بالطبع يستخدمه بشكل مغاير ومختلف فهو يتأرجح بين كل درجاته من الذهبى الساطع للذهبى المطفأ وحتى الذهبى الأكسيد ثم الذهبيات المختلطة بالأوان الأخرى لكننا لن ننسى أن نذكر أن كليمت أخذ عن فنانين العصور القديمة تقنية التزجيج أو الموزاييك والتى يحوى بها استخدام وحدات متواترة ومتشابكة فى الخلفية وهذا أجمل ما فى اتجاه كليميت الفنى تلك الغابة الذهبية التى تطل منها شخوصه وموضوعات لوحاته.
ولد جوستاف كليمت فى بومجارتن بالنمسا عام 1862 لأب صائغ وكان أخوه ارنست يعمل بنفس المجال وعلى الرغم من ذلك نشأ فى أسرة فقيرة وذهب إلى مدرسة الفن والصناعة فى فيينا وبعد أن تخرجا منها عمل بنفس حرفة والده وأخيه لكنه أسس مع أخيه شركة لتولى الأعمال الفنية.
ارتبط جوستاف كليمت بايملى فلوج وكانت تربطهم علاقة قوية لكنه لم يتزوج وأنجب 14 من الأبناء وفى أواسط عمره حظى بشهرة واسعة نظرا لأسلوبه الحداثى الجديد وأطلق عليه النقاد (رائد المرحلة الذهبية) وانضم لجماعة الانفصاليين الفنية فى النمسا التى قادت معارض الفن التشكيلى لفترة كبيرة.
توفى كليمت عام 1918 وتتصدر لوحاته قائمة مبيعات القطع الفنية الأعلى قيمة حيث بيعت لوحت – بورتريه لإيديل بلوخ – عام 2006 بمبلغ 135 مليون دولار مسجلة تفوقا على لوحات بيكاسو الذى ضرب به المثل فى الأسعار الفلكية.