خلاص و الصراع بين الشرق والغرب
خلاص.. رواية للكاتب هشام قاسم صدرت عن دار الهلال، وهى تجسد الصراع الثقافى بين الشرق والغرب، تجسده من خلال صراع تم بين زوجين؛ زوج مصرى يدعى شريف، وزوجة أمريكية تدعى مارجريت، استطاعت أن تجذب شريف المصرى، أحد أصدقاء السياح فى مصر، والذى قضى معها يوما استطاع بعدها أن يجذبها إليه حين أرادت أن يقوم معها بفعل خارق، فيقرر أن يحملها ليرمى بها من الشرفة ، وتستمر العلاقة وتدعوه لقضاء إجازة فى أمريكا ولكنه يقرر أن يبحث لنفسه عن هوية ومكان وحياة قبل أن يقابلها، وحين يفشل أن يجد عملًا مناسبا تدعوه لزيارتها والعيش معها حتى تستقر ظروفه.
خلاص، الطفلة التى جاءت للحياة نتيجة علاقة شرعية - ورقا- بين الشرق والغرب، ولكنها لم تكن كذلك فى العادات والتقاليد والأفكار، كان من المفترض أن تكون - خلاص- بمثابة نهاية التوتر والصراع بين الفكرين والثقافتين، لكنها كانت سببًا آخر فى وصول الصراع لجذوته، حين منعها شريف مارجريت من رؤيتها بعد أن أخذها بحيلة للقاهرة، وحين أخذتها هى الأخرى بحيلة من أمانى زوجة شريف الثانية،ثم أخذتها بقوة وببلطجة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد أن حاول كل منهما أن يأخذها لشاطئيه، هو-شريف- كان يأخذها للثقافة العربية بديانته المسلمة، وهى- مارجريت- تأخذها للثقافة الغربية بديانتها المسيحية ،يشتد الصراع لدرجة أنك تتخيل أنهما سوف يفصلان يدها عن جسمها ويقتلاها، ولم لا؟ وقد حدث بالفعل فى نهاية الرواية لما أصيبت البنت بأزمات نفسية وعصبية جعلتها تصرخ دائمًا، والغريب أن ماجريت كانت ترفض فى البداية أن يكون لها طفلة، ولكنها سعت لذلك بعد أن شعرت أن هناك مشكلة صحية ستواجهها فى المستقبل، وذلك حين قرأت فى إحدى الجرائد أن تأخر الحمل يؤثر بالسلب على صحة المرأة التناسلية لو تخطت الثلاثين دون أن تنجب.
ويكشف الكاتب عن حالة التطرف بين الفريقين فى تربية البنت، فرغم أن لا أحد منهما يلتزم بما يود أن يجعل خلاص البنت الصغيرة أن تلتزم به إلا أنهما يصران عليه بشكل متزمت ومتطرف، فما حدث فى منزل العائلة بالسيدة زينب حين حاول أخوة شريف أن يوقظوا البنت الصغيرة لتصلى الفجر حاضرًا حين جاءت مارجريت لزيارة مصر، وتعالى الطرق على الباب ليأخذا البنت عنوة كان سببًا جوهريًا لحسم الموقف عند مارجريت التى أصرت أن تأخذ قرارها بأخذ البنت ونهائيًا لأمريكا، والغريب أن الأخ الذى يفعل ذلك و يطلبه من شريف لم يكن ليفعله قبل أن تأتى مارجريت، ويواجه شريف عائلته بذلك ولكنهم لا يتراجعوا عما يفعلون، ومارجريت نفسها تقوم بفعل مشابه حين تصر أن تأخذ البنت إلى الكنيسة، فيؤكد عليها أنهما اتفقا أن يتركا البنت تختار، وهو بداخله متأكد تمامًا أنه لن يتركها تأخذها ناحيتها أبدًا وسوف يتدخل فى الوقت الحاسم لتكون خلاص مسلمة.
ومن المفارقات بين ردة الفعل فى ذهن الشرقى والغربى، ما أبرزه الكاتب هشام قاسم حين طلبت مارجريت من شريف وجورج أن يأتى كل واحد منهما بعمل خارق قبل أن يلتقيا جسديًا، وكان هذا هو الشرط لممارسة الجنس عندها، فبدأ كل واحد منهما يفكر بطريقته، فلم يجد شريف طريقة لجذب انتباهها إلا أن يحملها ويهددها أن يرمى بها من الشرفة، فسعدت به وأعطته جسدها، فى الوقت الذى فكر فيه جورج أن يمارس معها الجنس بأوضاع شاذة حين طلبت منه عملا خارقًا، هنا تعرف الفرق الإنسانى بين الاثنين ، فتبحث ثانية عن شريف لتتواصل معه، هل كان الكاتب هشام قاسم متحيزا لبنى جنسه حين أتى برد الفعلين، أرى أن هذين المشهدين من أفضل مما قدمت الرواية لكشف التفكير بين الاثنين.
وقدم الكاتب صراعًا آخر قانونيًا ودوليًا حين أخذت مارجريت البنت عنوة وخرجت بها مصر، دون أن يستطيع أحد ما أن يستوقفها، ويظهر هشام قاسم هنا قوة الدولتين فى الحفاظ على حقوق رعاياهم، رغم حالة الظلم التى وقعت على هشام وعدم مساعدته فى أن يحتفظ ببنته فى مصر، خاصة بعد أن رفعت عليه مارجريت قضية وأخذت حكما بحبسه لو وصل إلى أمريكا فى أى لحظة، مما يعنى عدم رؤيته لبنته التى أخذتها أمها، وتلك عقدة أشد وضعها الكاتب لتزيد حدة الصراع والكراهية بين هشام ومارجريت.
ومن الشخصيات المهمة التى حاول الروائى أن يجعلها معادلًا موضوعيًا للزوجة المصرية المعلمة أمانى، التى لم تكن فى البداية على وفاق مع الطفلة خلاص، حين توهمت أنها تهمل دروس اللغة العربية قاصدة، ولكن العلاقة بدأت فى التحسن حين بدأت تأتى إليها البيت وتعطيها دروسا فى اللغة العربية والدين، واختفت حين ظهرت مارجريت، ولكنها تعود ثانية للمشهد حين تتأكد أن ظهور مارجريت فى مصر ظهور مؤقت، وأن شريف صادق فى رغبته ومشاعره تجاهها.
ومن الأشياء الجيدة فى تقنيات كتابة الرواية، آلية ضمير المخاطب التى استخدمها الكاتب هشام قاسم كى يقدم سردًا متوازنًا، فقد كان يتحدث إلى خلاص عن كل الأحداث والأفعال التى تمت وحدثت فى حياتها وحياته وحياة أمها، حتى الأشياء غير المقبولة، وكأنه يحكى لأحد أصدقائه واصفًا لها سيرتها الذاتية وما تم قبل مولدها وبعده والمشاكل التى حدثت فى مصر وأمريكا، وأرى أن تلك الطريقة فى الحكى كانت جيدة ومتوازنة تماما ومناسبة للحدث، وبها من الشكوى والفضفضة ما يناسب أحداث الرواية.
وأخيرًا أرى أن الروائى هشام قاسم قد أفلح فى تقديم عمل روائى جيد ومتوازن استطاع أن يقدم فيه الصراع الذى تم بين ثقافتين الشرق والغرب، نظرًا لضيق أفق الشخصيتين اللتين تمثلان هذا التنافس الذى تحول لصراع مقيت.