الجمعة 21 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نزار قبانى.. ومعارك لا تنتهى (3)

نزار قبانى.. ومعارك لا تنتهى (3)






جاء رد نزار قبانى على نجيب محفوظ رداً قاسياً وعنيفاً وساخراً، وهو المنشور فى نفس العدد من «روزاليوسف»، نقتطف منه بعض المقاطع، حيث قال: «الأستاذ نجيب محفوظ إنسان رقيق كنسمة صيف، وحريرى فى صياغة كلماته، ورسولى فى سلوكه على الورق، وسلوكه فى الحياة، أنه رجل اللاعنف الذى يمسك العصا من وسطها.. ولا يسمح لنفسه بأن يجرح حمامة.. أو يدوس على نملة.. أو يغامر.. أو يسافر.. أو يغادر زاويته التاريخية فى حى الحسين، هو رجل السلام والسلامة، ولا يعرف عنه، أنه تشاجر ذات يوم مع أحد.. أو تعارك مع رجل بوليس.. أو وقف فى وجه حاكم أو أمير.. أو صاحب سلطة.. إنه دائما يلبس قفازات الحرير فى خطابه الاجتماعي، والسياسي.. ويتصرف (كحكومة الظل) فى النظام البريطاني».
ويقول أيضاً: «فليعذرنى عميد الرواية العربية، إذا جرحت عذريته الثقافية، وكسرت عاداته اليومية، وقلبت فنجان القهوة على الطاولة التى يجلس عليها مع أصدقائه. فالقصيدة ليس لها عادات يومية تحكمها.. أو نظام روتينى تخضع له، إنها امرأة عصبية، وشرسة.. تقول ما تريده بأظافرها.. وأسنانها.. القصيدة ذئب متحفز ليلاً ونهاراً، ومواجهة بالسلاح الأبيض مع كل اللصوص.. والمرتزقة.. وقراصنة السياسة.. وتجار الهيكل. هذا موقف الشعر مما يجرى على المسرح العربي، فإذا كان الأستاذ نجيب محفوظ يرى موقفى (ضعيفاً).. ويطالبنى بأن أصفق لمسرحية اللا معقول التى يعرضونها علينا بقوة السلاح، وقوة الدولار، فإننى أعتذر عن هذه المهمة المستحيلة، ربما كنت فى قصيدتى حاداً، وجارحاً، ومتوحش الكلمات.. وربما جرحت عذرية كاتبنا الكبير، وكسرت زجاج نفسه الشفافة.
ولكن ماذا أفعل؟ إذا كان قدره أن يكون من (حزب الحمائم). وقدرى أن أكون من (حزب الصقور).
 ماذا أفعل؟ إذا كان أستاذنا نجيب محفوظ مصنوعاً من القطيفة.. وكنت مصنوعاً من النار والبارود؟
  ماذا أفعل؟ إذا كانت الرواية عنده جلسة ثقافية هادئة فى (مقهى الفيشاوي).. وكانت القصيدة عندي، هجمة انتحارية على القبح والانحطاط، والظلام، والتلوث السياسى والقومي؟!.
  ويقول: ولأن الشعر يتصرف بطفولة وتلقائية، لا يمكننا أن نطلب منه أن يكون حكيماً أو واعظا، أو خطيباً أو معلم مدرسة.. ليس من وظيفة القصيدة أن تقترح الحلول، وتجد البدائل وتكتب الروشتات للمرضى والمعاقين.
الشعراء ليسوا جنرالات.. ولا يعطون التعليمات، ولا يعلنون الحرب، ولا يوقفونها، ولو كان مسموحاً للشعراء أن يكونوا فى مركز اتخاذ القرار لما امتلأ العالم بالمجاز العرقية والعنصرية، ولما حولت قنبلة هيروشيما 150 ألف يابانى فى ثانية واحدة إلى بشرية تتبخر.
ويختتم مقاله الطويل قائلاً: «شكراً لأستاذنا الروائى الكبير نجيب محفوظ الذى قرأ قصيدتى (المهرولون) فأعجبته شعرياً.. ولم تعجبه أيديولوجياً.. وموقفاً، وإذا كان الخطاب الشعرى قد هز أعماقه، فهذا دليل على أن حساسيته الشعرية لا تزال بخير.. وقلبه الكبير لا يزال يفرح بالتماع البروق، وسقوط الأمطار، أما مواقفنا الأيديولوجية المتصادمة فى قضية السلام، فهى بسيطة وهامشية، ولا تفسد للود قضية.
كان نزار قبانى رحمه الله ناعماً كالحرير فى قصائده الرومانسية والعاطفية وحاداً كنصل السيف فى قصائده ومواقفه السياسية، ولذا عاش فى وجداننا وسيظل لأن الشاعر الذى ينفصل عن قضايا أمته وقضايا وطنه أعتقد أنه لن يعيش طويلاً فبرحيله يخبو مشروعه الإبداعى كما يخبو ضوء الشمس وقت الغروب، أما نزار فما زال حيا بيننا بقصائده ومواقفه التى لا ينساها الزمن ولا التاريخ الأدبي، وكلما مرت علينا ذكرى وفاته فى أبريل من كل عام يقفز إلى الذاكرة بمشاغباته ومعاركه التى كانت لا تنتهى.