الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المسلة الفرعونية فى مواجهة قوس النصر

المسلة الفرعونية فى مواجهة قوس النصر






 


السيسى - ماكرون.. مباحثات دافئة فى أجواء باردة المسلة الفرعونية


 لم تؤثر برودة الجو هنا فى العاصمة الفرنسية باريس على دفء العلاقات وحميمية المباحثات بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى وماكرون والتى سيشهدها اليوم قصر الإليزيه فى أول قمة تجمع بين رئيسى البلدين.
خصوصا وأن كلتا الدولتين تتشابه فى أن كلاً منهما دولة محورية وقائدة فى محيطها الإقليمى والسياسى، حيث تعد فرنسا الجناح الثانى للقاطرة الأوروبية مع دولة ألمانيا الاتحادية، فإذا كانت برلين تمثل الثقل الاقتصادى والمالى والسياسى للاتحاد الأوروبى فإن باريس تمثل القوة الناعمة بثقافتها وحضارتها وكذا القوة الخشنة باعتبارها أقوى الجيوش الأوروبية على الإطلاق وهى الدولة النووية الوحيدة فى الاتحاد الأوروبى بعد خروج بريطانيا كذلك هى العضو الدائم الأوروبى فى مجلس الأمن.
 على الضفة الثانية من المتوسط تمثل القاهرة التى تتعافى سياسيا واقتصاديا هى الدولة المتعاظمة قواها فى الإقليم والشرق الأوسط باعتبارها تمتلك واحداً من أقوى الجيوش العالمية وكذا تشرع فى برنامج إصلاح اقتصادى طموح وتستعد أن تكون مركزاً عالمياً للطاقة بخلاف أنها منارة الشرق ثقافيا وحضارياً.
هذا التلاقى فى الظروف المتشابهات وكون الدولتين تقعان بحكم الجغرافيا والتاريخ فى مجال حيوى واحد يؤثر ويتأثر بنفس الظروف مما جعل هذه القمة الأولى بين الرئيسين السيسى - ماكرون استثنائية بكل المقاييس.
القاهرة وباريس ظلتا حريصتين على علاقات أكثر من دافئة وتتجاوز التحالف إلى رتبة الشراكة الاستراتيجية عبر عدة عقود حتى وإن استفادت مصر وفرنسا من العلاقات الشخصية بين الرؤساء فى البلدين التى ارتقت إلى مرتبة الصداقة الحقيقية والتى انعكست بالضرورة على طبيعة العلاقات بين البلدين والتى ربما مرت بسحابة صيف سريعة فى أعقاب ثورة 30 يونيو سرعان ما أعقبها تقارب وتفاهم سياسى وعسكرى غير مسبوق وهو ما سنتطرق إليه لاحقاً.
يأتى السيسى إلى باريس بدعوة من نظيره الفرنسى فى أول لقاء رسمى يجمع بينهما وتسبقهما على طاولة المباحثات العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها على عدة مستويات ومنها الملفات الاقتصادية خصوصاً أن حجم التبادل التجارى بين البلدين بلغ خلال أول 8 أشهر من العام الحالى نحو 1.546 مليار يورو مقارنة بنحو1.380 مليار يورو فى الفترة ذاتها من العام الماضى بمعدل ارتفاع بلغ 12٪ حيث حققت الصادرات المصرية لفرنسا نحو 401 مليون يورو خلال هذه الفترة من يناير إلى أغسطس 2017، كما أن الاستثمارات الفرنسية فى مصر تبلغ نحو 5 مليارات يورو من خلال 160 شركة فرنسية تعمل فى مصر ويبلغ عدد العاملين فيها نحو 30 ألف موظف وتتنوع أنشطتها ما بين قطاعات التصنيع الغذائى للإنشاءات والطاقة والاتصالات والبنوك والبرمجيات والنقل والسياحة.
كما أن هذه الزيارة حسب جدول الرئيس المصرى فى شقها الاقتصادى تعطى الفرصة وتلقى الضوء على المشروعات القومية فى مصر وفرص الاستثمار فيها كما أنها تمثل قيمة كبيرة للشركات الفرنسية التى تستهدف أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا عبر البوابة الاستثمارية المصرية.
تمثل مكافحة الإرهاب أولوية قصوى لدى البلدين والتى ارتقت فيها العلاقات والتنسيق المشترك والتبادل المعلوماتى درجة رفيعة من التفاهم والتعاون خصوصا فى ليبيا بما يؤثر بشكل كبير على الأوضاع الأمنية فى البلدين، وهذا التعاون والتفاهمات تمثل أرضية وركيزة لاستراتيجية مواجهة الإرهاب عالميا ونموذجاً يحتذى به فى المحيط الإقليمى والدولى لمواجهة الجماعات الراديكالية المسلحة حيث إن باريس تتفهم ما تتعرض له مصر وكذا تتبنى نفس الاستراتيجية فى مصر بخصوص ليبيا سواء فى ضرورة الوصول لحل سياسى ودعم مؤسسات الدولة الوطنية وفى القلب منها الجيش الوطنى وكذا المجلس التشريعى.
وهو ما انسحب على الحالة السورية، حيث بدأت فرنسا تتجه وتغير قناعتها بخصوص دمشق وتقترب كثيراً من وجهة النظر المصرية والمتمثلة فى وحدة التراب السورى وحق الشعب فى تحقيق مصيره ودعم الجيش الوطنى وهو ما خرجت به تصريحات فرنسية لم تعد فى أولوياتها رحيل بشار الأسد قبل حل الأزمة.
تتوج العلاقات المصرية الفرنسية بتاج العلاقات العسكرية رفيعة المستوى بين البلدين والتى تمثل جسر الصداقة المتين بين البلدين وتعكس ثقة باريس فى القيادة والجيش المصرى عبر الصفقات الضخمة التى حصلت عليها مصر من فرنسا وبقروض وتسهيلات فرنسية حكومية تمثلت فى صفقة الطائرات الرافال والتى حصلت مصر على النسخة المعدة منها للجيش الفرنسى وكذلك حاملة الطائرات من طراز ميسترال وعدد من القطع البحرية المتقدمة فضلا عن تصنيع وتجميع عدد منها فى مصر لتوطين تكنولوجيا صناعة السلاح، هذا انعكس بالضرورة على جدول أعمال الرئيس هنا فى باريس حيث أعقب وصوله إلى مقر إقامته حضوره حفل عشاء واستقبال على شرفه مع وزيرة الجيوش الفرنسية «الدفاع» فلورنس بارلى فى إشارة لا تخلو من دلالة حول ما وصلت له العلاقات المؤسسية بين مصر وفرنسا مهما تغيرت الحكومات أو السياسات أو الرئاسات.