الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تفاهمات النسر المصرى والديك الفرنسى أحبطت مخططات أهل الشر

تفاهمات النسر المصرى والديك الفرنسى أحبطت مخططات أهل الشر






عمدت الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو إلى ترميم شبكة علاقاتها الدولية بالتوسع والانفتاح تحت غطاء المصلحة المشتركة وليس التبعية والخضوع وفى سبيل هذا التوجه حاولت تكوين شبكة أكثر تعقيدًا وتماسكًا لتمرير المصالح المصرية، وبخلاف تجديد الثقة مع الحلفاء التاريخيين أو التقليديين بحسب الجغرافيا والتاريخ تركت لمساحات ارحب وكسرت نطاقات ومجالات حيوية تقليدية وصولاً إلى أفق أبعد والعمل على الارتقاء بالمجال الحيوى المصرى إلى مسافات أبعد فى شرق ووسط أوروبا وكذا جنوبًا وأقصى الشرق الآسيوى حتى أمريكا اللاتينية.
القاهرة التى أعادت زخم مفهوم أمن المتوسط شمالاً وجنوبًا وأعادت صياغة العلاقات المصرية ـ الأوروبية بشكل لافت، تعى جيدًا أن الاتحاد الأوروبى يسير على قضيبى قطار، أحدهما يتمثل فى القاطرة الألمانية ما لها من ثقل مالى وصناعى واقتصادى وسياسى وآخر فرنسى باعتباره الدولة الأوروبية النووية الوحيدة بعد خروج بريطانيا وهى نفسها العضو الأوروبى الدائم فى مجلس الأمن والجيش الأقوى والمنارة الحضارية والثقافية الأكثر إشعاعًا وتأثيرًا.
أقر إننى من الذين تحسبوا كثيرًا لطبيعة العلاقات بين القاهرة وباريس بعد رحيل الصديق «أولاند» ووصول «إيمانويل ماكرون» رئيسًا لفرنسا، فرغم أن العلاقات بين البلدين مؤسسية ومتينة على مستوى مؤسسات الدولتين لكن لم نختبرها فى مستواها الرئاسى حتى إن كانت هذه القمة الأولى بين السيسى وماكرون.
الشواهد التى كنا ننتظر أن نقرأ منها التفاهمات والكيمياء السياسية بين الرئيسين لم تأخذ وقتًا طويلاً، فكسرًا لقواعد البروتوكول الفرنسية التليدة كان أن هبط ماكرون درجات سلم الاليزيه القليلة ليستقبل ضيفه القدير عبدالفتاح السيسى ولم ينتظر صعود الأخير له، وهو الأمر الذى تكرر فى توديعه حيث هبط معه حتى باب سيارته متبادلاً معه حديثًا ضاحكًا لفت انتباه الحضور.
ما بين الاستقبال والتوديع كان أن زادت جلسة المباحثات بين الرئيسين عن وقتها المحدد تمامًا بوقت طويل وحتى فى المؤتمر الصحفى الذى أعقبها كان أن تحدث ماكرون بلسان مصرى أصيل مدافعًا عن الدولة المصرية وسياستها ومتفهما لموقعها والأوضاع التى تشهدها بلادنا ومست بالضرورة بلاده من أهل الشر.
هنا فى باريس، وفى كل فنادقها تتصدر قنوات الجزيرة والجزيرة مباشر والوثائقية كل باقة القنوات التليفزيونية المسموح بها والناطقة بالعربية ولا يسمح بأى قناة عربية أخرى غيرها، غير أن هذه الجزيرة وأخواتها لم يكن لها شاغل منذ وصولنا سوى الهجوم على مصر والتعريض بسمعتها فى ملف حقوق الإنسان، ومحاولة الضغط على الحكومة الفرنسية لإفشال الزيارة المصرية ونظمت دويلة قطر المالكة والممولة للجزيرة عدة فعاليات حقوقية مدفوعة الأجر بباريس لإطلاق حملة مسعورة فى وسائل الإعلام وفى اوساط المجتمع المدنى الفرنسى والأوروبى والدولى ضد مصر ومحاولة الربط بين الصفقات العسكرية والتفاهمات السياسية المتطابقة بين مصر وفرنسا وبين غض باريس طرفها عما تزعمه هذه المؤسسات بخصوص ملف الحريات فى مصر.
حسب ما كان منسقًا فى المؤتمر الصحفى أن يكون هناك سؤالان فقط من كل جانب للرئيسين بعد أن ألقيا بيانًا عن المباحثات بينهما، وبينما كان الوفد الصحفى المصرى اتفق على أن يكون سؤال الجانب المصرى على لسان نقيب الصحفيين عبدالمحسن سلامة بصفته، فإن السؤال الآخر ذهب إلى أحد الحضور الأجانب وكان متوقعًا من جانبنا وكذا من جانب القيادة المصرية أن يتطرق إلى ملف حقوق الإنسان خصوصًا فى ظل الحملة المستعرة التى اشتعلت بمجرد وصولنا، وكان السؤال تحريضيًا من جانب الشاب الأوروبى بأكثر منه استفهاميًا حتى إنه وجهه للرئيس ماكرون وليس للرئيس المصرى!
للزيارات الرئاسية واللقاءات الثنائية على مستوى القادة مهمة فى ترميم الصورة وتوضيح المواقف، وتجلى ذلك فى كلام الرئيس الفرنسى نصًا حين قال «تدرك فرنسا الظروف الأمنية والوضع الذى يعمل فيه الرئيس السيسى حيث يواجه تحديًا وعدم استقرار فى بلده ومحاربة المجموعات الإرهابية، لا يمكن أن ننسى هذا الإطار الذى يحكم فيه الرئيس، بل وزاد حين قدم التعازى فى ضحايا حادث الواحات الأخير.
ماكرون لم يكتف بما ورد فى بيانه، وإنما كشف عن عقلية برجماتية كسرت كل ثواتب وإكليشيهات السياسة الغربية حين تحدث موضحًا أنه كانت هناك ضغوطات غربية تمارس على الأنظمة فى الشرق الأوسط لإقرار القيم الأوروبية والديمقراطية فى شعوب وظروف غير مهيئة فكانت النتيجة ضياع هذه البلدان وشعوبها وسقوطها فى فخ الإرهاب وأن زمن إعطاء الدروس وفرض الرؤى والتجارب قد ولّى!
كلمات «ماكرون» نزلت بردًا وسلامًا على إقليم الشرق الأوسط وحق الشعوب فى الحياة وكانت نارًا مستعرة لمخططات محور الشر الذى حاول قبل القمة وبعدها اللعب بورقة حقوق الإنسان لعدم حدوث تقارب سياسى واقتصادى مصرى ـ فرنسى وقبل منه تعاون عسكرى.
كعادته مجابهًا ومواجهًا، لم يفوت الرئيس السيسى الفرصة ليرد موضحًا مسئوليته فى حماية 100 مليون مواطن والحفاظ على حقوقهم الإنسانية وفى الصدارة منها حقهم فى الحياة، فمصر التى بها ما يزيد على 40 ألف منظمة مجتمع مدنى تعمل بحرية وأريحية تامة للنهوض بالمجتمع، ليس فقط فى شقه السياسى وإنما الاجتماعى، ما عرضه السيسى بشجاعة معتادة اعاد تصويب مفهوم حقوق الإنسان الذى تحاول أن تختزله منظمات ممولة فى الحريات والدفاع عن جماعات إرهابية أو أخرى تستهدف إسقاط الأوطان.
تفاهمات النسر المصرى مع الديك الفرنسى كانت كفيلة بثقب بالونة مكذوبة نفخت فيها قطر بالتنسيق مع جماعة الإخوان الإرهابية حتى إن بوصلة هجومهم شملت الحكومة والرئيس الفرنسى على قنواتهم بعد أن وضح لهم حجم التفاهمات والتنسيق المشترك بين السيسى وماكرون اللذين وضعا حجر أساس لشراكة استراتيجية مستدامة بين شمال وجنوب المتوسط، وصداقة متينة يمكن أن تعبر عليها المصالح المشتركة.
لا يفوتنى هنا الإشارة بالتحية والتقدير، إلى «جان إيف لودريان» وزير أوروبا والشئون الخارجية فى الحكومة الفرنسية الحالية ووزير الدفاع السابق كونه حلقة الوصل بين البلدين ومهندس العلاقات وبطاقة مرور مصرية إلى عقل الرئيس الفرنسى الجديد.
لودريان أحد اللاعبين أصحاب الوزن الثقيل بالحزب الاشتراكى فى حكومة ماكرون وأول  من أعلن دعمه له فى الانتخابات الفرنسية بل شارك فى وضع برنامجه الانتخابى، كما أنه لعب دورًا كبيرًا وقت أن كان وزيرًا للدفاع فى إتمام صفقات عسكرية ضخمة لمصر بتسهيلات مالية ائتمانية كبيرة فكان أن منحه الرئيس السيسى وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديرًا لجهوده ومساهماته فى تحقيق طفرة غير مسبوقة فى التعاون العسكرى بين البلدين واليوم أحدث الطفرة فى التعاون السياسى والدبلوماسى أيضًا، فكان الرئيس حريصًا على زيارة وزارة الخارجية ولقاء لودريان وكان الأخير حريصًا على إقامة مأدبة عشاء على شرف الرئيس المصرى.