الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الطوارئ بين الحاجة والضرورة

الطوارئ بين الحاجة والضرورة






من الأسئلة المهمة فى ظروف الإرهاب التى نعيشها كيف يمكن التوفيق بين متطلبات الحماية الأمنية للشعب وبين إجراءات قانونية دائمة وليست استثنائية؟ أو بمعنى آخر كيف نتيح للسلطات المعنية صلاحيات أوسع وأعمق من دون استمرار حالة الطوارئ.
الحق يقتضى بداية الإشارة إلى أن الدولة المصرية ومنذ أعلنت حالة الطوارئ سواء فى مثلث رفح العريش ثم امتدت إلى بقية أنحاء البلاد لم نرصد حالة واحدة جرى فيها استخدام الصلاحيات الواسعة فى القانون لتقييد حريات غير الإرهابيين أو لأسباب لا تتعلق بالإرهاب، فضلًا عن أن حالة الطوارئ فى مصر لا تتيح الاعتقال أو تقييد الحريات دون أمر قضائى.. حالة الطوارئ تلجأ لها الدول فى ظروف استثنائية حين يعجز القانون عن تلبية احتياجات التعامل مع ظاهرة استثنائية تهدد حياة الأمة، ولأنه استثنائى فهو يتضمن صلاحيات تتعارض أحيانا مع حقوق البشر لذلك يتم استخدامه فى أضيق الحدود والمفترض ألا تمتد آثاره على حياة الناس اليومية.
لهذه الأسباب ينظر العالم إلى حالة الطوارئ باعتبارها حالة سلبية تمنح السلطات صلاحيات وتقيد من حقوق البشر ، لكن فى المقابل بات العالم يتعامل مع الأمر من زاوية الضرورة والاحتياج من دون التنازل عن الدعوة للعودة إلى الأوضاع الطبيعية الدائمة وإنهاء حالات الاستثناء.
الدول المشتبكة مع الإرهاب صادفت أحوالًا واوضاعًا مزعجة دفعتها لإعلان حالة الطوارىء، وفرنسا هى الأبرز باعتبارها «أم الحريات الشخصية» فى العالم لكن الأعمال الإرهابية دفعتها لإعلان حالة الطوارئ لفترة من الوقت ثم لجأت الى إجراءات قانونية لتلبية الاحتياج من دون اللجوء إلى الضرورة.
ومسألة الاحتياج والضرورة  وثيقة الصلة بموضوعنا، فنحن فى احتياج لتوسيع صلاحيات السلطات المعنية  فى مكافحة الارهاب و الضرورة تقتضى منا ان ننظر بحذر بالغ للامر ونسعى للحفاظ على استتباب الاوضاع القانونية الطبيعية  ونقلل من اللجوء الى الحالات الاستثنائية.
فى ظنى ان اللجوء الى تعديلات تشريعية ربما يوفر لنا المواءمة بين الضرورة والاحتياج، واقصد هنا حتى لا يُثار اى التباس ، استحداث تعديلات على القوانين تتيح صلاحيات محددة فى مواجهة حالات محددة دون اللجوء الى قوانين أو حالة الطوارئ.
ما جرى فى فرنسا كان ملفتا للنظر، فقد قررت الحكومة الغاء حالة الطوارئ، و حتى تتمكن من توفير مواجهة فعالة ومؤثرة مع العمليات الارهابية ادخلت تعديلات على التشريعات القائمة توفر للسلطات المعنية صلاحيات تلك التدابير المطلوبة.
الحكومة الفرنسية واجهت انتقادات عنيفة من جماعات سياسية ومنظمات حقوقية محلية واقليمية و دولية ضد هذه الخطوة، لكنها فى المقابل حصدت تأييد اغلبية واسعة فى البرلمان، وتأييدا كبيرا من استطلاعات الرأى العام الفرنسى الذى انحاز لهذا الاجراء.
ما كان سهلا مرور مثل هذا الاجراء فى فرنسا التى تؤمن افضل اطار فى العالم للحقوق الشخصية، لكن الامة الفرنسية شعرت بخطر حقيقى  وقررت تحقيق التوازن بين الاحتياج و الضرورة، واعلنت التزامها امام الشعب ألا تستخدم هذه التعديلات التشريعية إلا فى حدود ما تقررت فى شأنه، مع التزام آخر يتعلق بتحديد مدة زمنية لهذه التعديلات التشريعية لمواجهة الارهاب ثم اسقاطها و العودة مجددا  الى التشريعات الطبيعية.
هى دعوة للتفكير.