الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
السكان والتنمية

السكان والتنمية






إذا كنا نؤمن إيمانًا حقيقيًّّا بدور العلم وأهميته، ودور التخطيط والدراسات المستقبلية فى مجال التنمية، فإننا لا يمكن أن نطلق أحكامًا غير مبنية على العلم والدراسة المتخصصة.
ونؤكد أن تصحيح المفاهيم الخاطئة فيما يتصل بالقضايا السكانية يدخل فى صميم تجديد وتصويب الخطاب الدينى وتصحيح مساره، وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» (متفق عليه)، فاشترط (صلى الله عليه وسلم) الباءة التى تشمل القدرة على الانفاق كشرط للزواج، ومن باب أولى فهى شرط للانجاب، فما بالكم بالانجاب المتعدد؟! ألم يقل النبى (صلى الله عليه وسلم): «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يقوت»، وفى رواية «كَفى بِالمرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ».
ولطالما أكدنا أن الكثرة إما أن تكون كثرة قوية منتجة متقدمة يمكن أن نباهى بها الأمم فى الدنيا، وأن يباهى نبينا (صلى الله عليه وسلم) بها الأمم يوم القيامة، فتكون كثرة نافعة مطلوبة، وإما أن تكون كثرة كغثاء السيل، عالة على غيرها، جاهلة، متخلفة، فى ذيل الأمم، فهى والعدم سواء.
هذا كله إضافة إلى حقوق الطفل التى يجب أن يتمتع بها طفولة وتربية وتعليما، حتى أن الفقهاء اعتبروا أن الحمل الذى يحدث فى وقت الإرضاع إنما هو جور على حق الطفل الرضيع، بل جور على حق كل من الرضيع والجنين، فسموا لبن الأم آنذاك لبن الغِيلة.
وقد أجاز النبى (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه العزل، وهو أحد وسائل تنظيم الأسرة، ويقاس عليه كل ما يستحدث من الوسائل الصحية الآمنة الميسرة.
كما نؤكد أن القدرة ليست هى القدرة المادية فقط إنما هى القدرة المادية والتربوية وما يشمل كل جوانب العناية والرعاية، وليست القدرة الفردية فقط، إنما هو أمر يتجاوز قدرات الأفراد إلى إمكانات الدول فى توفير الخدمات التى لا يمكن أن يوفرها آحاد الأفراد بأنفسهم لأنفسهم، ومن هنا كان حال وإمكانات الدول أحد أهم العوامل التى يجب أن توضع فى الحسبان فى كل جوانب العملية السكانية، فما استحق أن يولد من عاش لنفسه.
على أن تناولنا للقضية يجب ألا يقتصر فقط على الجوانب الاقتصادية إنما يجب أن يبرز إلى جانب هذه الآثار الاقتصادية كل الآثار الصحية والنفسية والأسرية والمجتمعية التى يمكن أن تنعكس على حياة الأطفال والأبوين والأسرة كلها، ثم المجتمع، فالدولة، فالزيادة السكانية غير المنضبطة لا ينعكس أثرها على الفرد أو الأسرة فحسب، إنما قد تشكل ضررًا بالغا للدول التى لا تأخذ بأسباب العلم فى معالجة قضاياها السكانية.
وأخيرا نؤكد أن موضوع تنظيم النسل والعملية الإنجابية قد لا يقف عند حدود الحِلِّ فحسب، إنما قد يتجاوز هذا الحِلِّ إلى حالة الضرورة التى لا بد ولا مفر منها.