الخميس 11 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الدلتا الجديدة».. كيف تصنع المتابعة الرئاسية أكبر خريطة للإنتاج الغذائى فى مصر؟

«الدلتا الجديدة».. كيف تصنع المتابعة الرئاسية أكبر خريطة للإنتاج الغذائى فى مصر؟

تضع الدولة المصرية الأمن الغذائى فى صدارة أولوياتها خلال العقد الأخير، وهو ما انعكس فى إطلاق وإدارة مشروعات التوسع الزراعى الأفقى التى تستهدف تعظيم الرقعة الزراعية وتحقيق اكتفاء ذاتى مستدام من المحاصيل الاستراتيجية.



يأتى مشروع الدلتا الجديدة فى قلب هذه المشروعات، باعتباره الأكبر من نوعه فى تاريخ مصر الحديث من حيث المساحة، البنية التحتية، حجم الاستثمارات، وعدد المستفيدين.

 أهمية المشروع تتضاعف مع المتابعة الرئاسية المستمرة، التى أكدها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال اجتماعه الأخير حول مستجدات التنفيذ، خاصة فيما يتعلق بالمسار الشمالى لمياه الرى ورفع كفاءة استخدام الموارد المائية.

أولًا: المتابعة الرئاسية.. ضمانة تنفيذ وركيزة أمن قومى

تعكس المتابعة المباشرة للرئيس السيسى إدراك الدولة لحساسية قضية الأمن الغذائى، التى أصبحت قضية أمن قومى فى ظل اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية. وجود الرئيس على رأس المنظومة التنفيذية يضمن إزالة أى معوقات فور ظهورها، ويوحّد جهود أجهزة الدولة المختلفة، ويعطى ثِقلًا للمشروع يجعله أولوية وطنية.

وقد أدى ذلك إلى تحقيق نسب تقدم مرتفعة فى البنية الأساسية؛ فالمسار الناقل للمياه – أحد أهم أعمدة المشروع – وصل إلى 85% من التنفيذ، بطول 166 كم و12 محطة رفع، وفق ما استعرضه وزير الموارد المائية والرى فى الاجتماع الرئاسى الأخير.

ثانيًا: تسريع معدلات الإنجاز.. التزام صارم بالجداول الزمنية

حين يرتبط مشروع بهذا الحجم بإشراف سياسى مباشر، فإن ذلك ينعكس مباشرة على انضباط التنفيذ.

فالدولة تعمل على تشغيل المشروع بكامل طاقته خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو ما ظهر فى الانتهاء من مئات الكيلومترات من الطرق الداخلية، وشبكات الكهرباء، ومحطات الطاقة، ومراكز التحكم.

وبالرغم من أن مشروعًا بهذه الضخامة كان قد يستغرق عقودًا فى دول أخرى، فإن مصر تمكنت من تنفيذ الجزء الأكبر منه فى فترة وجيزة، إذ تم استصلاح وتشغيل أكثر من 500 ألف فدان فعليًا ضمن مشروع مستقبل مصر، ودمجه تدريجيًا فى مشروع الدلتا الجديدة المستهدف أن يصل إلى أكثر من مليونى فدان.

ثالثًا: مشروع استراتيجى يدعم الأمن الغذائى والمائى معًا

يمثل مشروع الدلتا الجديدة أحد أكبر مشروعات التوسع الزراعى الأفقى فى تاريخ مصر، ليس فقط من حيث المساحة المستهدفة، بل من حيث فلسفته المعتمدة على تنويع مصادر المياه وتعظيم الاستفادة منها.

ويمتاز المشروع بوجود ثلاثة مصادر رئيسية للمياه:

-1 مياه نهر النيل عبر ترعة الحمام.

-2 مياه محطة معالجة الحمام بطاقة تتجاوز 7.5 مليون م³/يوم عند اكتمالها.

-3 المياه الجوفية عالية الجودة.

كما أن قرب المشروع من دلتا النيل القديمة ومن الموانئ والطرق اللوجستية يمنحه ميزة تنافسية تجعله مركزًا رئيسيًا للإنتاج والتصدير.

ويُتوقع أن يسهم المشروع فى إنتاج كميات ضخمة من القمح، قد تصل إلى 2– 2.5 مليون طن سنويًا عند اكتمال الاستصلاح، وهو ما يغطى نسبة كبيرة من الفجوة الغذائية التى تدفع مصر بسببها مليارات الدولارات سنويًا.

كذلك يدعم المشروع إنتاج محاصيل استراتيجية أخرى مثل الذرة الصفراء، البنجر، المحاصيل الزيتية، والأعلاف، وهى منتجات تستورد مصر منها كميات كبيرة.

رابعًا: بيئة جاذبة للاستثمار رسالة طمأنة من القيادة السياسية

المتابعة الرئاسية المستمرة للمشروع ترسل رسالة واضحة للمستثمرين بأن الدولة جادة فى توفير بيئة استثمارية مستقرة ومتكاملة.

وتشهد المنطقة بالفعل توسعًا فى الاستثمارات الزراعية والصناعية، خاصة فى الصناعات الغذائية والتعبئة والزيوت والأعلاف.

وخلال الاجتماع الأخير، استعرض المدير التنفيذى لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة خطة إطلاق مشروعات جديدة فى مناطق الكفرة والداخلة– العوينات، إلى جانب مشروعات خارجية فى دول إفريقية، من بينها مشروع زراعى مقترح فى السنغال، هذه التوسعات تعزز مكانة مصر الإقليمية فى الأمن الغذائى.

خامسًا: فرص عمل وتنمية عمرانية جديدة

تولد المشروعات الكبرى عادةً نشاطًا اقتصاديًا واسعًا، ومشروع الدلتا الجديدة ليس استثناءً.

فقد وفر المشروع بالفعل آلاف فرص العمل المباشرة فى الزراعة والرى والخدمات اللوجستية، إضافة إلى الوظائف غير المباشرة فى الصناعات المرتبطة به.

كما تسهم التجمعات العمرانية والخدمات التى تُقام حول مناطق الإنتاج فى خلق مجتمعات جديدة جاذبة للشباب، وتخفف الضغط السكانى عن الدلتا والوادى.

سادسًا: تقليل فاتورة الاستيراد ودعم الاقتصاد الوطنى

تستورد مصر سنويًا كميات ضخمة من القمح والزيوت والذرة تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار.

ومع دخول مساحات جديدة من مشروع الدلتا الجديدة فى مرحلة الإنتاج الكامل، ستنخفض هذه الفاتورة تدريجيًا، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على دعم الاحتياطى النقدى وتخفيف الضغط على العملة الصعبة.

كما أن الفوائض التصديرية لبعض المحاصيل ستسهم مستقبلًا فى زيادة حصيلة الصادرات الزراعية التى تجاوزت 6.8 مليون طن عام 2024.

الختام:

يمثل مشروع الدلتا الجديدة نقلة نوعية فى مسار التنمية الزراعية فى مصر، ليس فقط بحجمه وضخامته، بل بارتباطه الوثيق بالقيادة السياسية ومتابعتها اليومية لضمان تنفيذه وفق أعلى المعايير. المشروع يعيد رسم خريطة الإنتاج الغذائى، ويؤسس لاقتصاد زراعى قوى قادر على مواجهة التحديات العالمية وتوفير احتياجات ملايين المواطنين. ومع اكتمال مكوناته تباعًا، ستفتح الدلتا الجديدة عهدًا جديدًا من الاكتفاء الذاتى، القوة الإنتاجية، وجذب الاستثمار، وهو ما يصنع مستقبلًا زراعيًا آمنًا وواعدًا لمصر.