
حازم منير
دولة القانون
معظم النار من مستصغر الشرر، بهذا «المثل» صاغ أجدادنا تعبيرا دقيقا عن معنى الاستهتار والتهاون فى مواجهة الأخطاء حتى ولوكانت صغيرة وحذروا من نتائجها وتداعياتها الكبيرة.
لسنوات طويلة تسربت روح الاستهتار والتهاون والإهمال فى شرايين الحياة المصرية بكل تفاصيلها وتحولت حياتنا إلى مساحة من الفوضى وتبدلت الأحوال فالخطأ أصبح صوابا والعكس صحيح ولعلى لست مبالغا: إن قلت إن ماحدث فى يناير 2011 من أحداث كان فى جانب منه نتيجة لحالة الاستهتار هذه.
أخطر الظواهر هى الاستهانة والاستهتار بالقانون والأخطر منه أن يربط رجال القانون تنفيذ مواده بتوازنات أو بمصالح محددة فتكون النتيجة انهيارا شاملا وضياع وطن أو إهدار حقوق ناس.
فى الأغلب فإن الخلل فى معايير تطبيق القانون ترتبط بالفساد والمصالح سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ويصبح المسئول صاحب مصلحة فى الإضرار بالوطن طالما حقق الاستهتار بالقانون حماية له من المحاسبة.
الحاصل أننا نتجاهل انتقاد معارضين ومواقفهم أوأفكارهم لمجرد كونهم معارضين لا يجوز انتقادهم خوفا من اعتبار ذلك انحيازا للدولة ضد معارضيها وموقفا غير مبدئى.
والشاهد أن كثيرا من الأحداث التى عايشناها يتمادى فيها البعض بسلوكيات وتصرفات منتهكة للقانون اعتمادا على أن أحدا لن يجرؤ على محاسبة مرتكبها خوفا من سيف الابتزاز بتهمة التربص بالمعارضين.
ولعل أبرز مثال على ذلك ما جرى فى سنوات ما قبل يناير 2011 من ترتيبات وتجهيزات واستعدادات فى الداخل والخارج مع عناصر محددة لعبت دورا رئيسيا فى تفجير الفوضى فى البلاد وكانت كل وقائعها تحت نظر الدولة كما تبين بعد ذلك لكنها كانت تغض الطرف عنها ولا تطبق القوانين عليها خضوعا لتوازنات سياسية وهوما جرى أيضا فى التغاضى عن الكثير من وقائع الفساد مع موالين للحكم أو معارضين لها لاستخدامها وسيلة للضغوط المختلفة.
السؤال هنا: هل يجوز بعد كل ما مرت به البلاد من مخاطر وانهيارات وأزمات أن نستمر فى مواصلة روح الاستهتار بالقانون والاعتماد على التوازنات السياسية وخلافه.
بمعنى أدق هل لأنك معارض سياسى بارز أو شخصية عامة يجوز لك انتهاك القانون تحت مبررات حرية الرأى والتعبير وأنت تثق أن الدولة لن تتحرك فى مواجهتك حفاظا على التوازنات.
البادى أن باب التجاوزات عن المخالفات يفتح الباب للمزيد من الانتهاكات والتجاوزات فى مختلف المجالات وأنه لا مجال للحديث عن مخالفات للقانون صغيرة أو كبيرة أو التفرقة بينها على خلفية شخصية المُنتهك ومكانته فكلنا عايشنا نتائج هذه السياسات.
وإذا كانت الإجراءات أحيانا تتسبب فى توليد انطباعات غير صحيحة بسبب تقاطع أو تداخل بعض الخيوط فإن ذلك يدعونا لتحرى الدقة فى الأداء وليس فى التغاضى عن تطبيق القانون لتجنب الانطباعات الخاطئة.
الأزمات الكبرى تصنعها الفتن الصغرى التى تتحول إلى كبرى بمرور الزمن وتراكم الأحداث، والتعامل باستهتار فى مواجهتها يحول القانون إلى وسيلة لتدمير المجتمع.
دولة القانون هى الضمان الوحيد لأمن واستقرار المجتمع وتطبيقه على الجميع الوسيلة المناسبة لإلزام الناس باحترامه وما نراه الآن فى هذا الشأن يثير الاطمئنان فى النفوس.