الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حكاية بطل «4» تمكين الشباب

حكاية بطل «4» تمكين الشباب






فى مجتمع أغلبيته الديموجرافية شابة، وكان أن شاخت فيه المناصب، وتجمدت فى عروقه الحيوية، بعد أن فقد قطاع كبير من القوى البشرية فيه الأمل فى الحصول على فرصة تمكنه من تحقيق طموحاته.. كان أن تلقفت قوى خارجية هذا الأنين المكتوم ونفخت فيه من تمويلاتها وأفكارها وغذته عبر السوشيال ميديا ووسائل الإعلام حتى أضحى بركانا انفجر فى وجه الدولة ليلة 25 يناير 2011.
النظام حينها لم يفطن لهذا المتغير الديموجرافى فى تركيبته العمرية وكانت حركته أبطأ من حركتهم المحمومة لحجز مكان لهم فى المستقبل بعد أن استقر على رأس مؤسسات الدولة من أمضوا فى مناصبهم مدداً تجاوزت أعمار هؤلاء الشباب.

حتى وإن كانت على يقين من كون أحداث يناير 2011 مؤامرة مكتملة الأركان كانت تستهدف وطنًا وليس نظاما، إلا أنه لم يكن للمؤامرة أن تتم إلا عبر ثغرات تحولت مع الوقت إلى فجوات واسعة تسربت منها عناصر المؤامرة لتضرب أركان وأعمدة الدولة وكان رأس حربتها تلك الجماهير الغفيرة من الشباب اليائس!
من هنا لم يكن اهتمام «السيسى» - منذ توليه السلطة - بالشباب من قبيل الصدفة أو العشوائية أو الرغبة فى استخدامهم سياسيًا، بل استنادا لاستراتيجية واضحة يؤمن بها الرجل.. تستهدف تحقيق مايلى:
■ تمكين الشباب من استلام حقه فى مستقبل وطنه.
■ بث الأمل فى نفوس الأجيال الناشئة.
■ استخدام الطاقات التى انطلقت فى يناير ٢٠١١ ثم تركت فى نهر الطريق عاجزة عّن الاستكمال أو العودة.
■ زيادة درجة الوعى بمفاهيم الأمن القومى.
■ خلق كوادر مناسبة لسوق العمل.
■ عدم ترك الأجيال الشابة لتيارات الإسلام السياسى.
■ إعادة ثقة الشباب فى مؤسسات الدولة.
■ انتشال الشباب من حالة الغيبوبة السياسية التى أغرقتها فيها النخبة النظرية.
■ تشكيل نخبة مؤهلة لضخ دماء جديدة فى الجهاز الإدارى المترهل للدولة.
■ خلق كوادر مؤهلة إداريا وسياسيا وقادرة على القيادة والإدارة العلمية.
■ إعادة الترميم التدريجى للطبقة المتوسطة.
بهذه المفاهيم انطلق السيسى بخطابه المباشر نحو الشباب قاصدا إعادة تمركزهم وتموضعهم فى قلب مجتمعهم وعدم السماح لمشاعر العزلة والتهميش بالسيطرة عليهم وتمكين الإحباط منهم.
منذ وصول عبدالفتاح السيسى إلى منصب الرئاسة حرص على تنظيم مؤتمرات الشباب كتقليد دورى جديد.. كما حرصت الدولة على أن تكون فاعليات تلك المؤتمرات مذاعة مباشرة على الهواء وصولا لتحقيق مايلى:
■ تمكين الشباب من التواصل المباشر مع مؤسسات الدولة ومسئوليها.
■ تحفيز الشباب المتفرج على المشاركة وطرح أفكاره ولو من خلال شبكات التواصل التى باتت متاحة للجميع.
■ إلزام الدولة بكل مايتم طرحه من أفكار ومتطلبات  أمام الرأى العام.
■ تعريف الرأى العام بمدى جدية اهتمام القيادة السياسية بالشباب وأسلوب تفكيرها نحوه.
■ خلق حالة من الجدل بالقطاع الشبابى ودفع الفئات الأكبر سنا للاهتمام بالشباب كأولوية للدولة.
بهذه الأهداف انطلقت مؤتمرات الشباب بالمحافظات المختلفة لتكرس ثقافة جديدة وفرضها على سلوك الدولة، وفى كل مؤتمر كان السيسى يحرص على أن يظهر فى الصف الأول وعن يمينه وشماله شاب وشابة تعبيرا عن رغبة حقيقية فى تقديم الشباب للصفوف الأولى.
خلال المؤتمر الأول للشباب الذى انعقد بمدينة شرم الشيخ فى أكتوبر ٢٠١٦ تحت عنوان «ابدع.. انطلق»،  حيث يعبر العنوان عن دعوة عامة للحرية فجاءت كلمة السيسى فى ختام المؤتمر اتساقا عمليا مع العنوان عندما أعلن عن تشكيل لجنة وطنية من الشباب تخضع لإشراف مباشر من رئاسة الجمهورية لإجراء فحص ومراجعة شاملة لموقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا مختلفة.
ثم واصل المؤتمر توصياته على النحو التالى:  
■ إنشاء مركز وطنى لتأهيل وتدريب الكوادر الشبابية سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا.
■ دراسة مقترحات تعديل قانون التظاهر.
■ عقد حوار مجتمعى لإصلاح وتطوير  منظومة التعليم.
■ تبنى مبادرة للقضاء على الأمية.
■ عقد حوار وطنى مجتمعى لوضع ورقة عمل لتأسيس استراتيجية شاملة لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق.
بهذه النتائج انتهى المؤتمر الذى كان بمثابة حجر ضخم ألقته يد الدولة الرسمية فى مياه راكدة طالما كانت وسيلة للصيد فى عكارتها لاستخدام حالة فورة شبابية أو حماس وتفريغها فى غير موضعها، وبرغم حركة الدولة المعلنة نحو الشباب فإن ثمة رد فعل - أى رد - لم يُرصد له وجود من أحزاب أو تيارات ثورية، ولم ترصد أى حالة غيرة سياسية، ليكشف المشهد عن غياب تام لأى مشروع حزبى حقيقى.
وفى شهر يونيو ٢٠١٧ انطلق المؤتمر الثانى للشباب من مدينة أسوان، عندما وقف الشاب الأسمر «علاء مصطفى» شاكيًا للرئيس من تدهور أوضاع مصرف كيما وآثاره السلبية على الصحة العامة لأهالى أسوان، وقتها استجاب «السيسى» على الفور وانتقل لزيارة الموقع محل الشكوى.. لتأتى زيارته تحقيقا لما يلى:
■ احترام شخصى للشاب الأسوانى.
■ احترام لجيل كامل من الشباب.
■ بناء ثقة حقيقية بين القيادة والشعب.
■ تلقين المسئولين درسا حقيقيا فى سرعة الاستجابة للجمهور.
وفى نهاية المؤتمر دعا الرئيس الشاب الذى قدم شكواه للوقوف بجواره أمام الحاضرين ليعرض السيسى بنفسه ما تم التوصل إليه خلال الزيارة الميدانية.
ثم أعلن المؤتمر توصياته التى انصبت محاورها على قطاع الشباب من خلال مايلى:
■ الإعلان عن إنشاء جامعة خاصة بالصعيد وإدخالها فى توأمة مع إحدى الجامعات العالمية.
■ مساهمة صندوق تحيا مصر فى إنشاء ٢٠ حضانة من الحضانات التى يديرها الشباب.
■ إطلاق مبادرة مستقبلنا بأيدينا لتوعية الشباب بأهمية المحليات.
■ تطوير مدارس التعليم الفنى.
■ إطلاق مشروع قومى للصناعات المتكاملة.
بهذه التوصيات خرج المؤتمر الثانى مستهدفا شباب الجنوب بشكل مباشر.
خلال المؤتمرين الثالث والرابع بالإسماعيلية والإسكندرية اقتحم السيسى ملف الشباب المعاق، مؤكدا تحمل الدولة مسئولياتها فى هذا الملف المهمل لسنوات، ثم أعلن عزم الدولة تقنين أوضاع المشروعات الشبابية المتنقلة التى ساهمت فى توفير فرص عمل مطمئنة تحفظ كرامة المواطن.
وفِى الإسكندرية وجه الدعوة لتشكيل نخبة من الشباب لمشاركة الحكومة فى وضع استراتيجية ٢٠٣٠، لتمكين الشباب من صياغة مستقبله وفقا لرؤيته. يحيط بكل تلك التفاصيل ما سبق إطلاقه تحت مسمى «البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة»، الذى يهدف لإنشاء قاعدة شبابية من الكفاءات القادرة على تولى المسئولية السياسية والمجتمعية والإدارية فى الدولة.
لقد انطلق المشروع بأهداف واضحة ومعلنة تنتهى جميعها نحو هدف المساهمة فى التغيير الإيجابى، وهنا لا حظ مسمى الهدف الذى يعبر عن وضوح رؤية القيادة التى مازالت مصرة على أن تضع إطارا قانونيا لشرعية ثورية لايمكن أن تستمر لإدارة الدولة.
بالتزامن مع البرنامج الرئاسى كان أطلق الرئيس مشروع «بنك المعرفة»، الذى يعد انعكاسا لإيمان القيادة بأهمية التعليم والبحث العلمى، من خلال إتاحة مصدر موثق للمعلومات وإتاحتها على المستوى القومى، خاصة للفئات الطلابية.
انشغال القيادة الذى لا ينقطع بالشباب أسفر عن إنشاء ما يسمى بـ«الأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب»، والتى تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، وتشمل الدراسة بها على مجال الإعلام الرقمى والأمن القومى، وستقام على غرار المدرسة الوطنية للإدارة الفرنسية.
ورغم قرب انتهاء الفترة الرئاسية، إلا أن السيسى أصر على لقاء رئيس المدرسة الوطنية الفرنسية أوائل فبراير الجارى، ثم تمكين شباب البرنامج الرئاسى من لقاء مديرة المدرسة.
وإيمانًا من السيسى بكون الشباب هو المكون الرئيسى لمستقبل الأمن القومى المصرى، فقد راحت وزارة الشباب بالتنسيق مع أكاديمية ناصر العسكرية لتنظم الدورات التدريبية فى كلية الدفاع الوطنى لشرح استراتيجية الأمن القومى المصرى والعربى.
إن عبدالفتاح السيسى، الذى ربما لم يستمتع بشبابه فى ظل قسوة الحياة العسكرية، لم يغفل عن معاناة الأجيال، فقرر أن يكون الاستثمار فى الشباب هدفًا قوميًا للدولة المصرية.