الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«إيجور ميتراج» أشهر نحاتى القرن العشرين وصاحب أسلوب «الكلوسوسيزم»

«إيجور ميتراج» أشهر نحاتى القرن العشرين وصاحب أسلوب «الكلوسوسيزم»






(كنت كثيرًا ما أتخيل تلك العماليق التى صنعها فيدياس وبوليكلتيس وهذا الكلوسوس الرابض فى الميناء يمثل هرمز أو أبولو يحمى البوغاز وتلك الأثينا المحاربة التى ترفع سهمها فوق تلة الأكروبولوس تشير به إلى الغزاة إذا فكروا فى دخول أثينا مرة أخرى.. كان يقال إن هذه المنحوتة ضخمة لدرجة أن القادم من عرض البحر يستطيع أن يرى رمحًا مشرعًا قبل أن يدخل بوغاز الميناء بيوم كامل.. من هنا كنت أنطلق من حلم الرؤيا لتلك الأعمال التى حرمتنا الطبيعة أن نراها.. كنت أحلم بأن أعيد هذا الإعجاز حتى ولو بمقاييس عصرنا، أى بشكل مفتت ورمزى وأكثر تعبيرًا عن سلطة الزمن).. بهذه الكلمات افتتح «إيجور ميتراج» أشهر نحاتى القرن العشرين حديثه حينما كنت أحاوره فى باريس منذ عامين عن ينابيع إلهامه الفنية، وكان قد صدق حدثى أنه بالفعل ممسوس ومسكون بالهواجس الكلاسيكية لفن النحت وكنت أتوقع ذلك منذ أن رأيت بعض أعماله لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، كما اختيرت بعض أعماله الفنية لتكون ضمن الديكور الخاص لأحد عروض «أوبرا عايدة»، وعلى الرغم من أن «ميتراج» ينحو فى منحوتاته لـ»الجريكو رومان» وجو العمل الدرامى فرعونى بحت إلا أن النص نفسه يحتمل ذلك لأن كاتب النص استخدم مفردات الميثولوجيا الجريكورومان عوضا عن مفردات الميثولوجيا الفرعونية حتى يتثنى للمشاهد الأوربى الدخول بسرعة لدراما العمل.
فى الحقيقة لم يخطط «ميتراج» أن يكون نحاتًا فلقد درس الرسم فى مدرسة كاراكو للفن فى بولندا مسقط رأسه ثم فى أكاديمية كاراكو الفنية العليا للفن وكان الرسم هو توجهه الأساسى لكنه بعد أن أقام معرضه الأول فى بولندا عام 1969 شعر أنه مشتت وبحاجة لتعميق فكرته الإبداعية بشكل أوسع، وفى العام التالى رحل إلى باريس ليكمل دراسته فى أكاديمية الفنون الوطنية لكنه فى تلك الفترة وقع هناك حدث محورى غير من مستقبل إيجور ميتراج الفنى وهو أنه أثناء دراسته فى باريس وقع فى عشق الفن اللاتينى بما فيه من بساطة فبدأ بتنفيذ أعماله النحتية من التراكوتتا (الطين المحروق) ثم بعد رحلته إلى إيطاليا وانبهاره بمخلفات العصر الرومانى بدأ باستخدام البرونز والرخام.
يتمحور أسلوب «ميتراج» النحتى حول إعادة إنتاج الأسلوب الكلاسيكى للنحت المستقى من أساليب أعاظم النحاتين الإغريق والرومان مثل فيدياس وبوليكلتيس وميرون وغيرهم بل ويقترب بشكل حرفى ومتقن إلى مقاييسهم السحرية التى ترتقى بالجسد البشرية وتحتفى بجمال مقاييسه، لكن إعادة إنتاج الأسلوب الكلاسيكى عند «ميتراج» هو أيضًا من وجهة نظره الخاصة جدا والمبهرة أيضا وبشكل يجعلنا نقارنه بالنحات الإيطالى البندقى «أوديلفو ولدت» الذى أعاد إنتاج مقاييس عصر النهضة برؤيا أكثر حركية ودرامية وخصوصا تعبيرات الوجه، ويعتبر «ميتراج» صاحب مدرسة خاصة فى النحت تميل إلى العملقة (الكلوسوسيزم) وهو يعيد إنتاج النموذج الكلاسيكى بشكل جزئي، أى أنه يختار جزءا من البدن ويقوم بإبداعه على غرار المنحوتات الإغريقية والرومانية  - مثل الرأس والذى يستخدمها فى أعماله كثيرًا - وهذا التجزيء يجعله يوحى لنا بقدرة الزمن على قتل الجسد وكأنه بقايا عمل كبير لـلنحاتين العالميين «فيدياس» او «بوليكلتيس» ويكون الجزء المنحوت عامة فى حالة تعبر عن ذلك، كأن يكون ملقا على القاعدة أو مائل أو فى حالة توحى بتهشم وهكذا.
يعتبر «ميتراج» أشهر نحاتى القرن العشرين حيث ولد فى بولندا عم 1944 ولازال يمارس عمله بكل حيوية للآن فى محرفه الخاص فى بيتراسانتا فى إقليم توسكانا الإيطالى ولقد قام بأعمال نحتية فى أماكن عامه كثيرة كان أشهرها تمثاله البرونزى الشهير بكنيسة سانتا ماريا ديلا انجيلى بروما.