الأربعاء 16 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دمشق وإن طال السفر

دمشق وإن طال السفر






ما الذى جمع بين العشق والشعراء وبين دمشق العاصمة الأصيلة بين نظيرتها العربية، أغلب الظن أنها من المدن ذكية الرائحة سارقة القلوب والعقول، أو كما يسمونها «مدن تجذب حبك وعشقك لها» فلا تطيق فراقها ولا تقدر على نسيانها.
قال عنها شاعرنا أحمد شوقى فى قصيدته «نكبة دمشق»: سلام من صبا بردى أرق.. ودمع لا يكفكف يا دمشق.
ووصفها الشاعر نزار قبانى متألما على حالها  فى قصيدته «مفكرة عاشق دمشقى» قائلا:» دمشق يا كنز أحلامى ومروحتى.. أشكو العرب أم اشكو لك العربا».
وتمثل فيها شاعر الثورة الفلسطينية محمود درويش الطريق للنهوض من الكبوة فدعاها فى قصيدته «طريق دمشق»: إلى.. اغتسلى يا دمشق بلونى.. ليولد فى الزمن العربى نهار، واضاف: دمشق الطريق.. ومفترق الرسل الحائرين أمام الرمادى.
الفارق بين قصائد شوقى ونزار ودرويش سنوات طويلة لكن الغريب والمثير أن جمع بين قصائدهم حزنا واسى على مدينة الثقافة والعلوم والحضارة عاصمة الشام المستهدف الان بالتقسيم والتفتيت.
ما يحدث فى المدن السورية المختلفة نموذجا سيدخل التاريخ لأسلوب تمزيق أمة وتقطيع أوصالها وتحويلها لدويلات طوائف تحقيقًا لأغراض استعمارية وإخضاع شعوب لمصالح شعوب أخرى.
ما يجرى فى سوريا ليس جديدًا عليها فهى دائما مع مصر تمثل قلاع الصمود لحماية شعوب المنطقة، ومن يتجاهل حقيقة الصلة التاريخية بين القاهرة ودمشق هو خاسر لحاضره ومستقبله.
تدخل دمشق فى المواجهات والمعارك عبر التاريخ وتخرج منها أقوى وأصلب عودا وقدرة على مواصلة مسيرة الفكر والتنوير والتغيير .
سيذكر التاريخ أن ما حصل فى الشام داخل الحدود السورية نموذج على فقدان الضمير الإنسانى الذى يترك شعوبًا تتمزق ويسقط أطفالها ونساؤها وشيوخها الأبرياء العزل قتلى ومصابين بالغازات السامة والأسلحة المحرمة.
دمشق تعكس الآن حالة الثنائية والمعايير المزدوجة واستغلال مآسى البشر فى المزايدات والمحاصصات السياسية، فقتلى الغوطة الشرقية ضحايا أبرياء، أما قتلى عفرين فلا حديث عنهم ولا اهتمام دولي بهم أو مطالبات بحمايتهم.
لا أعتقد أن هناك دولة فى العالم لا تسعى لاستقطاع جزء من سوريا وضمها لأراضيها مثل الحالة التركية، أو إخضاع جزء منها لمصالحها والسعى لتولية أنصارها عليها مثل الحالة الأمريكية أو الفرنسية وغيرها، أو تأسيس دولة لأمة جديدة ناشئة مثل الحالة الكردية لتصبح بداية لتأسيس دولة أوسع بأجزاء أخرى من دول مجاورة، هذا بالقطع كله غير دويلات الطوائف الأخرى.
هذه هى دمشق عاصمة الشام التى بكاها الشعراء على مر التاريخ،  لا تجد من يبكيها الآن، إنما تجد من ينتظرون سقوطها وتقسيمها وتفتيتها، وهم لا يدرون أن سقوط الشام هو بداية انهيار لدول أخرى تتكون أوصالها من طوائف وجماعات مختلفة.
ستعود دمشق وإن طال السفر هذه المرة.