الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فرانكو كوسا.. والكاريكاتير السياسى فى الفترة العثمانية

فرانكو كوسا.. والكاريكاتير السياسى فى الفترة العثمانية






يعتبر الفنان الكبير يوسف فرانكو كوسا من أكثر فنانى الكاريكاتير تأثيرًا فى فن الكاريكاتير فى أوروبا عامة وفى تركيا خاصة وهو ينتمى لمدرسة الفرنسى هنرى دومية من عدة أوجه الوجه الأول هو أن يوسف كوسا انتهج فى موضوعاته نهج النقد السياسى والمجتمعى فكانت رسومه تميل للسخرية من الطبقة البيروقراطية أو طبقة موظفى الدواوين كما كان يطلق عليهم والذى كان هو نفسه ينتمى إليهم وكان لا يتورع في تصويرهم فى أعماله بشكل يثير السخرية على أعلى مستوى حتى أنه مرة أثار حنق الكثير عليه بسبب أنه صور اثنين من المسئولين فى صورة شبه حيوانية فكان أحدهم برأس إنسان وجسم قرد والآخر برأس إنسان وجسم ببغاء كرمز للهزل والخيلاء وذلك ما تسبب فى لفت نظره رسميًا لكنه لم يأبه بل وقام بعمل عدة كاريكاتيرات تضم الصفوة فى جلسات المرح مما اعتبره البعض اقتحامًا لحياته الشخصية، الوجه الثانى فى التشابه بين دوميه ويوسف كوسا هو اشتراكهما فى طرح فكرة الطغيان حيث يمثل كل منهما وثيقة فنية على طغيان الطبقة العليا فى عصره وبالنسبة لكوسا كانت هذه الطبقة هى طبقة البيروقراطية التى كانت تتحكم فى سياسة اسطنبول من مقرها فى بايأوغلو أحد أهم الأحياء السياسية فى اسطنبول والذى ضم طبقة من الساسة كانت هى محور سياسات الدولة العثمانية فى هذة الفترة ؛ بالنسببة لتقنيات يوسف فرانكو كوسا فهو مدرسة فريدة فى الكاريكاتير لأنه جمع أعراقًا كثيرة فى شخصيته فهو يونانى سورى لبنانى تركى ومن ثم كان يجيد لغات كثيرة ومطلع على ثقافات كثيرة لكنه والحق يقال وجد فى مدرسة النقد اليونانى بالكاريكاتير ضالته والمدرسة اليونانية فى الكاريكاتير قديمة قدم الإمبراطورية العثمانية العتيدة والتى اغتصب معظم أراضى اليونان ومن ثم كان القراقوز اليونانى هو أبلغ أنواع التعبير عن هذا النقد السياسى للظلم العثمانى فنشأت شخصيات القراقوز الشهيرة والتى تدور حول الباشا الظالم وهو الوالى العثمانى ومساعدة البيه الغارق فى حب الراقصة والتى هى أحد أهم شخصيات القارقوز أيضا كذلك نجد تابع هؤلاء الأفندى –الأفنديس باليونانية – وهو موظف ظالم يعاقر الخمر وينفذ أوامر الوالى والبيه ، فإذا عدنا لشخصيات يوسف فرانكو الكاريكاتيرية وجدناها صورة طبق الأصل من شخصيات القراقوز اليونانية مع بعض التهذيب بحيث أزال عن شخصيات القراقوز رعونتها لكنها احتفظ بنفس المضمون النقدى فهذا هو البيروقراطى العتيد صاحب المقام العالى صورة مطابقة للوالى وهذا هو البيك صورة مطابقة للموظف الكبير ذي النفوذ ونجد أيضًا شخصية المغنية والراقصة وشخصية المطرب التى استوحاها من الحياه العامه فى اسطنبول التى كانت تميل للطرب وحب الموسيقى، نقول أنه بدون اليونانين والأرمن والبلغار وغيرهم لم يكن هناك ما يعرف بالإمبراطورية العثمانية لأنهم هم العضو الفعال سياسيًا وفنيًا واقتصاديًا فى هذه الإمبراطورية العتيدة بعد أن ترهلت وشاخت مما أدى فيما بعد لسلسلة من الاضطهادات تجاه هذه العرقيات التى أدارت مقاليد الأمور فى تركيا، ونحن نعول على هذه الفكرة فى أن يوسف فرانكو كوسا كان هو الأبن النجيب لتقنيات المدرسة اليونانية من ناحية المقاييس والأخيلة لكنه كان يدين للفنانين الأرمن بالكثير والكثير هؤلاء الذين أدخلوا فنون عدة للإمبراطورية العثمانية بل وكانوا رواد فن الكاريكاتير على ما يبدو من أسماء كثيرة مغمورة معظمهم كانوا على اتصال بالحركة الفنية العالمية بباريس ومن ثم كان يوسف كوسا أحد تلاميذهم بل وحتى قد أثر هو فى الأجيال التالية من الأرمن بشكل واضح وجلية مثل المصرى الأرمنى صاروخان وزميله أسانتى وحيث أشتهر صاروخان بأنه أبو الكاريكاتير الصحفى المصرى بينما أختفى الثانى بعد انجذابة أكثر لفن البورتريه الأكثر واقعية ، ولد يوسف فرانكو كوسا باشا عام 1855 لأب وأم يونانيين ولد أباه فى اسطنبول وكان جده نصرى كوسا (كوساس) يونانى يعيش فى حلب فى فترة هروب اليونانيين لحلب من عسف العثمانيين ولقد تأثر والده كثيرًا بالثقافة العربية حتى أنهم كانوا يتحدثون العربية بلهجة سورية فى المنزل وكان والده موظفًا رفيعًا فى وزارة الخارجية التركية حتى وصل لرتبة مدير مكتب المراسم أما يوسف كوسا فولد فى لبنان وعاش صباه فى جبل لبنان ومن ثم كان تأثير الثقافة العربية عليه كبيرًا حتى أنه كان يقول – الباشا الذى أرسمه هو ذلك الباشا العربى الذى يعتقد بأى حال من الأحوال أنه ذو جذور عثمانية وهذا هو مكمن السخرية لأن العثمانيين أنفسهم بلا جذور - هذه الأقاويل كما نرى كان من شأنها أن تحد من تواجد يوسف كوسا فى الوظائف العليا لكن العكس هو ما حدث حيث أصبح من من كبار موظفى الخارجية وكان وزيرًا مفوضًا فى لبنان ثم أصبح من كبار ساسة بايأوغلو هذه الدائرة الشهيرة هوى يوسف كوسا الرسم واتجه للكاريكاتير حتى أصبح من أهم رسامى الكاريكاتير فى عصره وأثر كثيرًا فى الصحافة التركية الحرة فيما بعد ومات عام 1933.