الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حكاية بطل «5» القاعدة العسكرية للدولة المدنية

حكاية بطل «5» القاعدة العسكرية للدولة المدنية






 انظر حولك، استدع ذاكرتك، استرجع الصورة، تذكر عشية تنحى مبارك.. وقتها توقف هتاف «الجيش والشعب إيد واحدة» بفعل الفاعل الذى كان قد سيطر على أركان الميدان، وأخذ يحرك عرائس ودمى السياسة، فى صباح اليوم التالى ١٢ فبراير ٢٠١١ انطلق الهتاف المقيت بسقوط ما يسمى حكم العسكر الذى لم يكن موجودا أساسا، وقتها كان المجلس العسكرى يدير عملية إنقاذ الدولة.. لكن جماعة الإخوان وأدواتها ممن يسمون بالقوى الثورية والحقوقية نجحوا فى خلق حالة حكم وهمية ينبغى استمرار مواجهتها، كان هدف الجماعة تحقيق ما يلى:
■ شغل القوى الثورية بحالة وهمية تستوجب استمرار الفعل الثورى الذى ستستخدمه الجماعة للضغط على المجلس العسكرى.
■ تمكين الجماعة من التفرغ لاستعراض أدواتها الداخلية والخارجية فى مواجهة المجلس.
■ وضع المجلس فى مرمى النيران الصحفية والإعلامية تمهيدًا لأن تكون القوات المسلحة مادة صحفية مستباحة.
■ فرض أجندات سياسية على المجلس  من الممكن أن تشغله عن إدارة العملية الانضباطية داخل وحداته.
■ خلق فجوة بين قيادة الجيش ممثلة فى المجلس وبين القواعد التى تمثلها مختلف الرتب.
رغم الخطورة الشديدة لهذه الحالة إلا أن من كان يديرها كان يدرك تمامًا أهمية هذا الجيش فى حفظ كيان الدولة المستهدف إسقاطها لبناء المشروع الإخوانى الجديد، كما أنه قدم خدمة جليلة للمجلس العسكرى ليحدد حجم المخطط وأطرافه وأسلوب حركتهم، كما راحت أبواقهم الإعلامية تتهم المجلس بالفشل السياسى لضعف خبرته ليقدموا حقيقة مهمة بأن ما يسمى «حكم العسكر» هو وهم مصطنع لأنها لو كانت حقيقة لتراكمت الخبرات السياسية لأعضاء هذا المجلس.
على طاولة اجتماعات المجلس كان عبدالفتاح السيسى يجلس مديرا للمخابرات الحربية، منذ ذلك الوقت والرجل عينه على مسرح عمليات الدولة، منذ ذلك الوقت والرجل تأكد من أهمية تثبيت القاعدة الصلبة لقلب الوطن «القوات المسلحة المصرية»، الرجل أدرك حجم الاستهداف للجيش المصرى للتفرغ والتمكن من الشعب المصرى الأعزل وحيدًا غريبًا مغتربًا بلا جيش يحميه!

 مر ما يقرب من عامين من عمر الوطن ثبت خلالهما حقيقة المخاطر التى تحيط بالدولة، ولما استجاب المجلس العسكرى لرغبة الناخب ونزل على نتائج الانتخابات التى أفرزت رئيسًا محكومًا عليه نهائيا  بالتخابر، اتهم المجلس بتسليم الوطن للإخوان، ولما جاء الإخوان للحكم ومارسوا السياسة الاستعلائية الإقصائية راحت الجموع تنادى على الجيش المصرى، وتطور الهتاف ليكون أكثر خصوصية «انزل يا سيسى»، لكن الرجل الذى كان وزيرًا للدفاع عاد إلى مجلسه العسكرى الذى رأى ضرورة تلبية النداء، فأصر الرجل على إعلان عزمه الترشح مرتديًا زيه العسكرى عرفانًا بالجميل وتقديرًا للدور والقيمة التى تشغلها القوات المسلحة فى عقله وقلبه ووجدانه.
وبعدما فاز الرجل قرر أن يقدم نموذجًا للجيش المصرى ليس بمفهوم «ما فوق الدولة»، ولكن بعقيدة  ما هو تحت «خدمة وحماية الدولة»، فمنذ مجيء السيسى رصد حركة القوات المسلحة فى الاتجاهات المدنية المختلفة ليس لهدف سياسى لأنه لو كان كذلك لكانت الحركة توقفت بعدما تحقق الهدف بوصول السيسى للحكم، منذ ذلك الحين انطلق الرجل بجيشه لإخراج الوطن من غرفة العناية السياسية المركزة، الرجل قرر ممارسة ما يمكن تسميته «بالسياسة العلاجية» مستخدما جميع الأدوات المتاحة لإنقاذ الوطن واسترداد عافيته.
منذ أن جاء السيسى رئيسا للجمهورية اتخذ من القوات المسلحة قاعدة ارتكاز نحو البناء والتعمير، الرجل أراد أن يطمئن على أن القاعدة الحاملة للدولة متماسكة وصلبة وقادرة على حمل دولة بحجم مصر، بعدما أدرك ان استقلالية القرار والإرادة تبدأ بقوات مسلحة قوية قادرة على تحقيق رسائل الردع، والمنع الاستباقى للخطر نحو تنويع مصادر التسليح اتجهت الحركة المباشرة، ليس بهدف الكم المادى للسلاح بل من أجل الإمساك بأول «طريق التحرير» للقرار والإرادة المصرية.
 السيسى يدرك تماما كيف يمكن أن تكون القوى الصلبة ظهيرًا للدبلوماسية والسياسة، كيف يمكن أن تكون القوات المسلحة إحدى أدوات المناورة السياسية؟ لكن تدفق السلاح إلى قواعده فى أفرع القوات المسلحة لم يكن ليتم لولا أن الجيش المصرى وقائده الأعلى اثبتوا قدرة على تحمل المسئولية وعلى الإدارة الرشيدة للقوة المسلحة، فالسيسى كما نجح فى استعادة الاحتياطى النقدى فقد نجح فى مراكمة رصيد الاحتياطى العسكرى.

 خلف تنويع مصادر السلاح تكمن الأهداف والمرامى السياسية التى حرص السيسى على تأكيدها.. ربما يمكن إجمالها فيما يلى:
■ مصر دولة كبيرة تستحق جيشا بحجمها.
■ مصر تدرك التزاماتها الإقليمية وقادرة على الوفاء بها.
■ مصر ليست امتدادًا إقليميًا لقوى عظمى بل منفتحة. على الجميع.
■ مصر لديها أوراق لعب وبالتالى لديها ما تقدمه لتحصل على ما تريد وما تستحق.
■ استقلال الإرادة هدف استراتيجى للدولة المصرية.
■ القوات المصرية قادرة على استيعاب تكنولوجيا التسليح الحديثة.
■ مصر قادرة على المواجهة والبناء فى نفس الوقت.
■ مصر قاعدة ارتكاز الأمن القومى العربى.
■ الجيش المصرى رقم حتمى فى توازن القوى بالمنطقة.
■ تقوية الحيش أمر حتمى لصيانة الدولة المدنية.
من هذه المنطلقات كانت حركة الرئيس لتأسيس نظرية قابلة للتطبيق العملى عنوانها «العسكرية فى خدمة الدولة المدنية».
عدد غير مسبوق من المناورات العسكرية نفذها الجيش المصرى مع نظرائه من الجيوش الكبيرة من مختلف الجنسيات، أتاحت للفرد المقاتل التعرف على خبرات وتكتيكات جديدة، وجعلت الوحدات المختلفة فى حالة استعداد على مدار الساعة، ربما تكون نوعًا جديدًا من التعاطى الدولى يمكن تسميته «الدبلوماسية العسكرية»، يعبر عن وصول الثقة بين الأطراف إلى أقصى حدودها، فتكون القوى العسكرية سبيلا للتواصل والانفتاح على الآخر وليس أداة للصدام والصراع.
لاحظ فى كل حركة للجيش المصرى كيف يكون الهدف هو خدمة الدولة المدنية، لاحظ كيف يكون المقصد هو تحقيق معدلات مرتفعة من الردع العام تكفل خفض احتمالات الصدام المباشر، لاحظ هنا كيف تكون القوة المسلحة وسيلة لفرض التفاوض والمصالح المشتركة أسلوبا للحوار.
ثم ننتقل إلى الدور العملاق للهيئة الهندسية التى فرض عليها الظرف التاريخى التدخل والتداخل المكثف بعدما تأثرت مؤسسات الدولة بشدة منذ يناير ٢٠١١ ومسها الضُر فتعطلت عن أداء مهامها وتعثرت كفاءتها، وعند هذه الحالة تحديدًا نتوقف لنكتشف أن هذه القوات المسلحة كانت ولا زالت تمثل رصيدا استراتيجيا وظهيرا صلبا لهذا الوطن.
من الذى أنقذ الاحتياطى النقدى للبلاد عندما أودع مليار جنيه فى البنك المركزى، من الذى ضمن المخزون الاستراتيجى للسلع الأساسية، من الذى وفر ألبان الأطفال، من الذى وفر الأمصال الحيوية، من الذى شيد المشروعات العملاقة فاستدعى الشركات المدنية لسرعة الإنجاز ليستوعب آلافا من الأيدى العاملة العائدة من ليبيا، من الذى قدم المعونة للقرى الأكثر احتياجا، من الذى قدم رءوس الماشية هدية للمصريين فى أعيادهم، من الذى رمم الكنائس بعدما دمرتها أيدى الإرهاب، من الذى مد يد العون للشرطة المصرية وأمدها بأسطول المركبات عام ٢٠١١.

 فإذا كان الراحل أنور السادات قال «إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن وأن يأمن بعد خوف أنه قد أصبح له درع وسيف»، فإن عبدالفتاح السيسى يحق له أن يقول «إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف أنه قد أصبح له درع وسيف وممول وطنى وحاضن اجتماعى».
على امتداد الجبهة المدنية أعاد الجيش المصرى انتشاره دون أى خلل أو تأثر لأدائه على الجبهات الميدانية المشتعلة باستدارة حدود الوطن، وصولا إلى سيناء تعميرا وتحريرا من عصابات الإرهاب.
بعد تثبيت الجبهة الداخلية ارتكازا على القاعدة الصلبة للجيش المصرى، انطلقت العملية سيناء ٢٠١٨، ليعزف الجيش سيمفونية وطنية جديدة يتناغم فيها مع قوات الشرطة وجميع الأجهزة المعلوماتية، فى الوقت الذى يقدم فيه مع أجهزة الشرطة جميع الخدمات المدنية واللوجيستية لأهالى سيناء.
مدهش أمر الجيش المصرى الذى ينحنى احتراما لشعبه ليقدم دليلا عمليا على أن النجاح ليس صدفة بل اختيار حر وقرار يحتاج لإرادة صلبة، كما بيرهن فى كل خطوة أن الهزيمة والفشل ليسا قدرا، عجيب أمر هذا الجيش إنه بحق مؤسسة المؤسسات.